البصمة الوراثية...  ودورها في الكشف عن الحقيقة

د. محمود طافش الشقيرات

  تتعدد وسائل البحث عن الحقيقة وتتطور في كل عام ؛ وذلك بفضل توجه المؤسسات التربوية الحديثة الرامية  لتعليم الطلبة التفكير ، ومن أبرز هذه الوسائل الداعمة للحق والرامية للكشف عن الحقيقة ما يعرف بالبصمة الوراثية ، فما المقصود بالبصمة الوراثية ؟ وما أهم استخداماتها ؟

    توجد البصمات الوراثية  DNA  في خلايا جميع الكائنات الحية ، ويتكون الجزيء الواحد من هذه المادة ، كما ذكر العالمان واطسون وجريح في بحث نشراه عام 1953م من شريطين يلتفان حول بعضهما على هيئة سلم حلزوني .

    ويشتمل كل جسم بشري على ثلاثة بلايين ونصف بليون قاعدة ، وكل حزمة من هذه القواعد تشكل جينا وراثيا يميز كل شخص عن غيره من عباد الله في إحدى الصفات الوراثية مثل لون العينين أو الشعر أو الطول أو الذكاء وما شابه ذلك ، بحيث إنه لا يوجد إنسان يشبه إنسانا آخر تشابها تاما .

  وقد اكتشف البصمة الوراثية العالم البريطاني " أليك جيفرز " الباحث بجامعة " ليستر" بلندن من خلال تجارب قام بها وأعلن اكتشافه المذهل في بحث نشره وسجله سنة 1985م وأعلن فيه : " أن احتمال وجود تشابه بين بصمتين وراثيتين بين شخص وآخر لا يزيد عن واحد في الترليون "  وهذا يدل على أن التشابه بين شخصين من البشر يكون مستحيلا.

   وكل جسم بشري يحتوى على ستة وأربعين كروسوم تحمل جميع الصفات الوراثية التي انتقلت من الآباء والأمهات إلى أبنائهم ، ويشتمل جسم كل مولود على صفات مشتركة يكون نصفها من الأب والنصف الآخر من الأم ، وهذه الصفات يكون بعضها ظاهرا للعيان وبعضها الآخر مخفيا يظهر أثناء عمليات التحليل

  وتُستخرج عينة ال  DNA من نسيج الجسم أو سوائله كالدم واللعاب أو العرق  أو المني ، وحتى يمكن استخراجها من عقب سيجارة القاها الشخص المدخن أو من شعرة سقطت من رأسه أو من علكة استخدمها في وقت سابق .

   وإذا كان بالإمكان مسح بصمة الإبهام فإنه من المستحيل مسح البصمة الوراثية ، وهي متواجدة بصورة متماثلة في جميع أجزاء الجسم كالعين والقلب والكبد وغير ذلك .

    وتستخدم البصمة الوراثية في مجالات متعددة لخدمة الجنس البشري وحمايته ؛ ومن الأمثلة على ذلك استخداماتها في المجال الطبي ؛ حيث ساعد هذا الاكتشاف في عمليات زرع الأنسجة ، وفي علاج الأمراض الجينية ، وفي التعرف على الجثث المشوهة ، حيث تُستخرج عينات الحامض النووي عن طريق الخلايا الموجودة في العظام ، أو في أي جزء آخر قد سلم من التشويه .

   وكذلك تستخدم البصمة الوراثية في تحديد نسب الجنين المشكوك في نسبه ، وفي اكتشاف المجرمين ، حيث استخدم البحث الجمائي  البصمة الوراثية في الكشف عن العديد من المجرمين الذين تواروا عن الأنظار ، كما ساعدت على تبرئة العديد من المتهمين ظلما .

  ويتميز الحامض النووي DNA  بقدرته الفائقة على البقاء بعد موت صاحبه بمئات السنين ؛ فقد تمكن الباحثون المحققون من التعرف على شخصية العالم الألماني جوزيف هيجل الذي هرب بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية إلى أمريكيا اللاتينية ودفن هناك ، وذلك بأخذ عينة من عظامه ومطابقتها بعينة دموية أخرى أُخذت من ابنه .

   ومن الجدير بالذكر أن البصمة الوراثية تكون على هيئة خطوط يمكن قراءتها وحفظها في الحاسوب لتستخدم في الظروف التي تستدعي ذلك ، كذلك فإن بالإمكان مضاعفة العينات الصغيرة وتكبيرها لتصبح دليلا مقبولا ومعترفا به .

  هذا وقد اعتبرت المحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية البصمة الوراثية دليلا فارقا ذي قوة إثبات في الكشف عن الجرائم ، وتم فتح ملفات العديد من الجرائم التي تم قيدها ضد مجهول ، وتوصل الباحثون إلى الحقيقة ؛ كما حصل في حالة الدكتور "سام شبرد"  الذي أُتهم بقتل زوجته عام 1955م ، وحكمت عليه محكمة في ولاية أُوهايو بالسجن ، وهذه القضية شغلت الرأي العام الأمريكي لدرجة أنها قد جُعلت موضوعا لفيلم سينمائي ، وبعد أن مكث الرجل في السجن عشر سنوات أُعيدت محاكمته ، وحصل على براءته التامة بفضل البصمة الوراثية ، كما تم الكشف عن القاتل الحقيقي ، والذي كان صديقا مقربا من العائلة المنكوبة .

  هذا وقد اعترفت بالبصمة الوراثية  العديد من الدول العربية كالأردن ومصر والإمارات التي استفادت من البصمة الوراثية في البحث عن قتلة الراقصة اللبنانية سوزان التميمي ، والتي قتلت هناك ، وذلك لما تقوم به هذه المادة النووية من خدمات جُلّى لرجال البحث الجنائي العاملين على إظهارالحقيقة ومكافحة الجريمة .  

sawahry@hotmail.com

www.tafesh.5u.com