مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

صلة الأرحام

    الإسلام دين الرحمة والمحبة والتكافل ، لذلك فهو دائما يحث المسلمين على التواصل والتسامح ، وعلى التسلح بالقيم السامية ، والتحلي  بالأخلاق الكريمة ، ومن القيم التي يدعو إليها الإسلام صلة الرحم ؛ وذلك لما ينبثق عنها من فضائل نبيلة ، وآثار إيجابية عظيمة ، ولما  يترتب على قطعها من عواقب مدمرة وخيمة ، فما المقصود بصلة الرحم ؟ وما أهميتها في حياة الإنسان المسلم ؟

   صلة الرحم تعني التواصل مع الأقارب بكافة السبل المتاحة ؛ كالزيارات ، وبالإحسان إليهم ، وتقديم الخير المستطاع لهم ،وقد تكون بدفع الشروالأذى عنهم، أو بمشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم  وعيادة مرضاهم ، وتشييع جنائزهم ، أو بالدعاء لهم ، أو حتى بمجرد السؤال عنهم .

   وقد عظّم الله ـ سبحانه وتعالى ـ شأن الرحم حين قرنها باسمه فقال جلّ شأنه :" واتقوا الله الذي تسلءلون به والأرحام ." (1)

    وقد تباينت وجهات نظر العلماء حول تحديد أولي الأرحام المشمولين بالصلة ، فذهب بعضهم إلى أن الرحم لفظة عامة تشمل كل قريب للإنسان ، مع مراعاة أن يكون الرحم القريب هو الأولى بالصلة . وذهب آخرون إلى أنها تشمل " الوالدين ووالديهم ، والأولاد وأولادهم ، والأخوة وأولادهم ، والأخوات وأولادهن والأعمام والعمات والأخوال والخالات ."  فيما جعلها بعضهم مقتصرة على أربعة آباء ، وآخرون قصروها على الورثة ، وبعضهم رأى إن أولي الأرحام هم  المحارم .

   وحكم صلة الرحم في الشرع الإسلامي أنها واجبة وجوبا جعلها تكاد تكون من الأركان التي بني عليها هذا الدين الحنيف ؛ عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة .

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة وتصل الرحم ." (2) فجعل عليه الصلاة والسلام  الرحم مقترنة بأركان الإسلام

  وقد ذهب بعض العلماء كالقرطبي والقاضي عياض إلى أن قطيعة الرحم تعد من كبائر الذنوب مستندين في ذلك على :

1- قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "  والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، ويفسدون في الأرض ، أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ." (3) وفي موضع أخر قال جل شأنه : " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ، أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم ." (4)

ب-  قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة قاطع " (5) . وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام : " ثلاثة لا يدخلون الجنة ... " (6) وذكر منهم  قاطع الرحم  . وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا الله وانا الرحمن ، خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها بتته ."(7)

   ونظرا لكثرة وخطورة الآثار التي قد تترتب على عدم صلة الأرحام فقد نفّر النبي صلى الله عليه وسلم منها، وحذر من عواقبها الوخيمة  ؛ سئل عليه أفضل الصلاة والسلام : أي الأعمال أبغض إلى الله ؟ قال : الإشراك بالله ، ثم قطيعة الرحم ." (8) وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ." (9) وفي أسلوب الشرط ـ كما يرى أهل البلاغة ـ تشويق للسامع إلى الخير الذي يترتب على صلة الرحم ، وتنفيره من الشر الذي يترتب على القطيعة ، كما أن استخدام الفعل الماضي يفيد التوكيد.

     وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة ، فلا يقبل عمل قاطع رحم ." (10) وفي هذا الحديث تحذير شديد مما قد يترتب على القطيعة ، فإن عدم قبول الأعمال يترتب عليه خسران مبين .

     وفي صلة الرحم خير عميم واسع ومتعدد الجوانب ؛ فهي :

 -  من الأعمال التي يحبها الله ورسوله ؛ يروى أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحب إلى الله ؟

فقال عليه أفضل الصلاة والسلام : الإيمان بالله .  قال : ثم مهٍ ؟ قال : ثم صلة الرحم ."  (11)

-  وصلة الرحم سبب من أسباب صلة الله لعبده ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم : هذا مكان العائذ منك من القطيعة .قال : نعم .. أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى يا رب ." (12)

   -  وهي تشهد لواصلها يوم القيامة ، وهذه الحقيقة واضحة في الحديث الذي رواه ابن عباس عن النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام  ، والذي يقول فيه : " وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها ، وعليه بقطيعة إن كان قطعها ." (13)

- كما أنها من العوامل الموجبة لدخول الجنة ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس أفشو السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ." (14)

- وهي دليل حي على حسن إيمان المرء ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ." (15)

   - كما أنها تجلب الرزق  ، وتطيل العمر ؛  فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم صلة الأرحام من العوامل الجالبة للزق والمباركة في العمر ، فقال :" من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه ." (16)

 

- وتجلب المحبة ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال ، منسأة في الأثر ." (17)

- وهي تدفع الشر والأذى ، وهذا المعنى أيضا واضح  ومؤكد في قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي رواه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حيث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سرّه أن يمد له في عمره ، ويوسع له في رزقه ، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله وليصل رحمه ." (18)

-  وتكفّر الذنوب ؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال : إني لأذنبت ذنبا عظيما ، فهل لي من توبة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : هل لك أم ؟ قال : لا . قال : فهل لك من خالة ؟ قال : نعم . قال : فبرّها ."(19)  

- وفي حديث آخر ، عن عائشة رضي الله عنها ، قال عليه أفضل الصلاة والسلام : صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار ، ويزيدان في الأعمار ." (4) وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليعمّر بالقوم الديار ، ويثمر لهم الأموال ، وما نظر إليهم  منذ خلقهم بغضا لهم . قيل : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : بصلتهم لأرحامهم ." (20)

   - وفيها إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ،واستجابة لوصيته . ولنتأمل قوله عليه الصلاة السلام : " أوصاني خليلي أن لا تأخذني في الله لومة لائم ، وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت ." (21)

-  ومن الآثار التي تترتب على صلة الرحم أنها تعجّل الثواب للواصل ، وتسرع بالعقاب للقاطع ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس شيء أُطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم ، وليس شيء أعجل  عقابا من البغي وقطيعة الرحم .." (22)

  وإضافة إلى كل ما سبق فإن صلة الرحم تعد من مكارم الأخلاق التي تجعل المسلم محبوبا من الله ومن عباده ؛ عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبدرته ، فأخذت بيده ، وبدرني فأخذ بيدي ، فقال : " يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق الدنيا والآخرة ، تصل رحمك ، وتعفو عمن ظلمك ، ألا ومن أراد أن يمد له في عمره ، ويبسط له في رزقه فليصل ذا رحمه ." (23)

   وحيث إن لصلة الرحم كل هذا الفضل الواسع والخير العميم ، فقد أكّد النبي صلى الله عليه وسلم عل أهمية التواصل مع جميع ذوي الأرحام ؛ الواصل منهم والقاطع ؛ فقال عليه أفضل الصلاة والسلام : " ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ." (24)

    وتأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم : " صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تطفئ غضب الرب ، وصلة الرحم تزيد في العمر ."(25)

  وبناء على ما سبق يتبين لنا أن الإسلام يحث على صلة الأرحام ؛ لما لها من فضل عظيم يتمثل في أن الله سبحانه وتعالى يحب الواصل ؛ فيغفر له ذنبه ، ويبسط له في رزفه ، ويطيل عمره ، ويدخله الجنة  . كما أن  صلة الرحم تعمل على تماسك المجتمع ، وعلى تحقيق وحدته وتكامل أبنائه . وما أجمل أن يدرك الواصل منا عظمة الأجر الذي أعدّه الله للذين يصلون أرحامهم ، وهول العواقب التي تترتب على قطع الأرحام ؛ فإن من شأن ذلك أن يعينه على القيام بهذه الخطوة التي يتقرب بها إلى الله .وما أروع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألا أدلكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ؟ من عفا عمن ظلمه ، ووصل من قطعه ، وأعطى من حرمه ."(26) 

الهوامش :

 

(1)       سورة النساء آية 1

(2)       رواه البخاري في صحيحه رقم 5983

      (3) سورة  الرعد آية 25                                  

      (4) سورة محمد آية 23                                   

     (5)  رواه البخاري في صحيحه برقم 5984  ومسلم في صحيحه برقم 2556 

     (6) رواه المنذري في الترغيب والترهيب 3/249   وغيره          

     (7) رواه الترمذي في سننه  برقم 1907

     (8) رواه المنذري في الترغيب والترهيب3/304 والهيثمي في الزوائد

     (9) رواه مسلم في صحيحه برقم 2555وغيره

     (10) المنذري في الترغيب والترهيب 3/311 ورواته ثقاة

      (11) رواه الهيثمي في الزواجر 2/81

(12) حديث صحيح رواه البخاري في صحيحه رقم 2987، ومسلم في صحيحه 2554وغيرهما .

(13) رواه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/561 ، وفي صحيح الأدب المفرد 2/405

(14) رواه البغوي في شرح السنة 2/463وقال حسن صحيح ، والمنذري في الترغيب والترهيب 3/368 وغيرهما

(15) رواه البخاري في صحيحه 5185

(16) رواه البخارس فس صحيحه 5985، ومسلم في صحيحه 2555

 (17) رواه الترمذي في سننه

(18) رواه ابن عدي في الكامل بالضعفاء 5/395، والمنذري في الترغيب والترهيب 3/293ورواته محتج بهم في الصحيح

(19) رواه المنذري في الترغيب والترهيب 3/298

(20) رواه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 10/429، والعيني في عمدة القارئ 22/144ورجاله ثقات

(21) رواه المنذري في الترغيب والترهيب 3/305 والهيثمي في مجمع الزوائد 8/155وفي الزواخر 2/81

(22) رواه أبو تعيم في حلية الأولياء 2/405

(23) رواه البيهقي في السن الكبرى 10/35

(24)  رواه البخاري في صحيحه 5991وأبو داود في سننه 1697وغيرهما

(25)  رواه  المنذري في الترغيب والترهيب 2/69 ، والهيثمي في الزوائد 3/118 وغيرهما

(26)  رواه البيهقي في الآداب 117، وفي شعب الإيمان 6/2811   

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz