كفالة اليتيم

   لا يملك الإنسان المسلم الطامح إلى رحمة ربه ورضوانه إلا أن يتوقف مبهورا متفكرا في الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ لما تشتمل عليه من حكم نادرة ، ولما يشيع في ثناياها من نور يضيء القلوب ، ويحفز العقول للتفكر فيما عند الله من نعيم مقيم .  وهناك الكثير من  الأحاديث الشريفة التي  نطق بها الرسول المعصوم – عليه أفضل الصلاة والسلام -  تجعل قلب المؤمن يخفق بالسعادة شوقا إلى تلك المنزلة السامية التي وعده بها النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فلا يملك إلا أن يقف عندها مشدودا إليها متفكرا بها ؛ ومن هذه الأحاديث الرائعة قوله عليه الصلاة والسلام ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا .. وأشار باصبعيه السبابة والوسطى .) (1)

   وماذا يريد الإنسان المؤمن من ربه أكثر من هذه المنزلة السامية في جنة عالية إلى جوار سيد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ..!  فمن هو اليتيم ؟ وما أهم الفضائل التي تترتب على كفالته ؟

     اليتيم في لسان العرب هو الطفل الذي مات أَبوه ، فهو يَتيمٌ حتى يبلغَ الحلم ، فإِذا بلغ زال عنه اسمُ اليُتْم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يُتم بعد احتلام .... )(2)والاحتلام غالبا يكون بعد سن الرابعة عشر؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : (عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال . وأنا ابن أربع عشرة سنة . فلم يجزني . وعرضني يوم الخندق ، وأنا ابن خمس عشرة سنة . فأجازني . قال نافع : فقدمت على عمر بن عبدالعزيز ، وهو يومئذ خليفة . فحدثته هذا الحديث . فقال : إن هذا لحد بين الصغير والكبير . فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة . ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال .)  (3)

  وقد سمي اليتيم  يتيما لأن الناس يتغافلون عن تقديم العون له ، ويترك وحيدا ،  ومن هنا فقد جاء تشديد الدين الإسلامي على أهمية رعاية اليتيم  والعناية به . وجعل الله سبحانه وتعالى  الجنة جزاء لمن يكفله في جوار النبي صلى الله عليه وسلم .

ــــــــــــــــــــــ

(1) - صحيح البخاري ؛ الرقم  5304

(2) – صحيح الجامع ؛ الرقم 7609

(3) - صحيح مسلم ؛ الرقم: 186

   ولقد أمر الله - سبحانه تعالى - بالإحسان إلى اليتيم في أكثر من موضع في كتابه الكريم فقال - جل من قائل -  : ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ( (1)  وقال سبحانه :( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى.)(2) وفي موضع آخر قال العزيز الحكيم :( فأما اليتيم فلا تقهر )(3)

    وكفالة اليتيم لا تتوقف عند الإنفاق  عليه بتوفير حاجاته الأساسية ، وإنما تتعدى ذلك إلى الاهتمام بتربيته وبناء شخصيته بناء سويا متكاملا . وقد حث الله سبحانه وتعالى على كفالة اليتيم ورعاية ماله  الذي تركه له أبوه  وتنميته ،  فقال- جل من قائل -  : ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) (4) كما حذر من أكل مال اليتيم وتوعد من يفعل ذلك بأوخم العواقب فقال المنتقم الجبار :( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما ىيأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا .) (5)

       وقال – جلّ شأنه - : ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)(6)

 وجعل عدم إطعام اليتيم من الأسباب الداعية لتقليل الرزق ؛ فقال العليم الحكيم: ( وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ، فيقول ربي أهانن . كلا بل لاتكرمون اليتيم .)(7)

ــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة البقرة: من الآية220

(2) سورة النساء: من الآية36  .

(3) – سورة الضحى الآية 9

(4) سورة الأنعام: من الآية152

(5) سورة النساء الآية 10

(6) سورة النساء الآية 2

(7) سورة الفجر ؛ الآيتان (16-17)

   وعن ابي هريرة رضي الله عنه قا ل : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اجتنبوا السبع الموبقات قيل : يا رسول الله ! وما هن ؟ قال : الشرك بالله . والسحر . وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات )(1)

فضائل كفالة اليتيم :

     لكفالة اليتيم والعطف عليه فضائل عديدة ، أذكر منها :

1 -  يبارك الله لكافل اليتيم بماله ويبسط له في رزقه ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير بيت المسلمين هو بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت المسلمين هو بيت فيه يتيم يسىء إليه.)(2) وذلك لما في كفالة اليتيم  من بسطة في الرزق . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما من يوم يصبح العباد فيه ، إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا .) (3)

2-  كفالة اليتيم تلين القلب القاسي ؛ فتجعله أكثر حنوا على المساكين ؛  عن أبي هريرة رضي الله عنه ؛ أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فنصحه بقوله  : ( امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين .)(4)

    وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه . قال : أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ! ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك .)(5)

   ولنا في رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام أسوة حسنة في رعاية الأيتام والحنو عليهم ؛ عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال : لما استشهد أبي  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تبكوا على أخي بعد اليوم ، ادعوا لي ابنيّ أخي قال : فجيء بنا كأنا أفرخ فقال : ( ادعوا لي الحلاق .) فجيء بالحلاق فحلق رؤسنا ثم قال : ( أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي .) ثم أخذ بيدي فأشالها فقال :

ــــــــــــــــــــــ

(1) - متفق عليه .وانظر صحيح مسلم ؛ الرقم: 89

(2) -  الدمياطي : المتجر الرابح ؛ الرقم: 259

(3) - صحيح البخاري ؛ الرقم: 1442

(4) - المنذري : الترغيب والترهيب ؛ 3/316

(5) - الألباني : السلسلة الصحيحة ؛ 2/508

 ( اللهم اخلف جعفرا في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه قالها ثلاث مرار .) قال : فجاءت أمنا فذكرت له يتمنا وجعلت تفرح له فقال : ( العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ) (1)

3- الحصول على ثواب عظيم ؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم  : ( من مسح رأس يتيم لم يمسحها إلا لله كان له بكل شعرةًَََََ مرت عليها يده حسنات ومن أحسن إلي يتيمة أو يتيم عنده كنت انا وهو في الجنة كهاتين وفرق بين إصبعيه السبابة والوسطى  ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال :  قال الرسول صلى الله عليه وسلم ::   ( من عال ثلاثة من الأيتام كمن قام ليله وصام نهاره وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله ، وكنت أنا وهو في الجنة أخوين كهاتين أختان وألصق إصبعيه السبابة والوسطى (2) وهذا شرف عظيم وفضل ما بعده فضل .

  وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (  أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أني أرى امرأة تبادرني فأقول لها : مالك ؟ ومن أنت ؟ فتقول : أنا امرأة قعدت على أيتام لي .)(3) وعن صفوان بن سليم أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، أو : كالذي يصوم النهار ويقوم الليل.) (4)

4 -  تحفظ اليتيم من الإنحراف والتشرد ، فتساهم بذلك في بناء المجتمع الإسلامي المتعاون المتحاب  ؛ عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال :  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ترى المؤمنين : في تراحمهم ، وتوادهم ، وتعاطفهم ، كمثل الجسد ، إذا اشتكى عضوا ، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى .)(5)

5 – ترفع منزلة الكافل بين الخلائق ؛ عن صفوان بن سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، أو : كالذي يصوم النهار ويقوم الليل .)(6)

ـــــــــــــــــــــ

(1) - مسند أحمد ؛3/192

(2) الدمياطي : المتجر الرابح ؛ الرقم  258

(3) - المنذري : الترغيب والترهيب ؛ 3/315     

(4) - صحيح البخاري ؛ 6006

(5) - صحيح البخاري ؛ الرقم: 6011

(6) - صحيح البخاري ؛ الرقم 6006

6 - الخلاص  من أهوال القيامة العظيمة وكرباتها الشديدة ؛ فقد جعل الله لكافل اليتيم  منها نجاة ومخرجا (  وفي هذا المعنى قال سبحانه :( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ .أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (1 )  (

  وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (  والذي بعثني بالحق لا يعذب الله يوم القيامة من رحم اليتيم ولان له في الكلام ورحم يتمه وضعفه ، ولم يتطاول على جاره بفضل ما آتاه الله . ... ( (2)

7 - دخول الجنة ؛ وهذا هو الهدف الأسمى المتمثل في رضوان الله  ، فقد جعل الله سبحانه وتعالى رعاية اليتيم من الأسباب الموجبة لدخول الجنة ؛  فقال جل شأنه مثنيا على المنفقين أموالهم في سبيل الله  : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً.إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً. إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً. فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً. وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً)3)

   وعن سهل بن سعد الساعدي أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا .)  وأشار بالسبابة والوسطى ، وفرج بينهما شيئا .  )(4)

   وهكذا فقد جعل الله – سبحانه تعالى - الإحسان إلى الأيتام  ورعايتهم  من أنواع الخير العظمى التي تثمر التقوى ، والتي هي عبارة عن بطاقة عبور خضراء إلى الجنة ؛ فقال سبحانه وتعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ

ــــــــــــــــــــ

(1) - سورة البلد؛ الآيات 11- 15 .

(2) - المنذري : الترغيب والترهيب ؛ 2/71

(3) سورة  الإنسان:8-12

(4)   - صحيح البخاري ؛ الرقم  5304

بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون)(1)

    اللهم اجعلنا من المنفقين أموالنا في سبيلك ،  ويسّر لنا من أيتام المسلمين من نكفله ، وأعنّا على ذلك لنكون في جوار النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم .ــــــــــــــــ

(1) سورة البقرة:177