مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

الظلم .... ظلمات في الدنيا والآخرة

محمود طافش الشقيرات

   يدفع حب النفس وسوء التربية  بعض الناس ليقوموا بأعمال خبيسثة يظنون أنهم يحققون بها منافع لأنفسهم الأمارة بالسوء ، حتى إذا طالتهم يد العناية الإلهية وابتلاهم الله العليم الخبير بأموالهم أو بأولادهم أو بأنفسهم ، انطلقوا يصرخون ويشتكون دون أن يفطنوا إلى أن ما حاق بهم إنما هو بظلمهم وبما اكتسبت أيديهم  فما المقصود بالظلم  ؟ وكيف يمكن أن نحمى أموالنا وأبناءنا بالبعد عنه واجتنابه ؟

       وردت مادة "الظلم" في المعاجم اللغوية لتفيد المعاني الآتية:

1- الظلام ، الذي يترتب عليه عدم وضوح الرؤية، وما يتمخض عن ذلك من ارتكاب الأخطاء  والممارسات غير الصائبة التي يقترفها الظالم ، كتجاوز الحدود، والوقوع في حمى الله، وفي حقوق الناس، والمحظور من الأمور، فيُلحق الأذى بنفسه وفي غيره. وفي هذا المعنى قال الحكيم العربي :

ولم أرَ ظلمـاً مثـلَ ظلـمٍ ينـالنـا            يُسـاءُ إلينـا ثم نؤمـرُ بالشـكرِ

    وهو من الصفات المذمومة التي يمقتها الله والناس . وفي هذا المعنى يقول أبو العتاهية :

أمــا واللــهِ إنَّ الظلــمَ لـؤمٌ           وإنَّ الظلــمَ مرتعــهُ وخيــمُ

2- وضع الشيء في غير موضعه، فتنقلب الموازين ، ويُجعل الغث مكان السـمين ، فيختلط الحابل بالنابل ، ولا تستقيم الأمور. وفي هذا المعنى قالت العرب: " من استرعى الذئب فقد ظلم " أي وضع الشيء في غير موضعه. وفي الأمثال قالوا : من أشبه أباه فما ظلم . ومن هذا القبيل قول عنترة :

وإذا بليــتَ بظـالمٍٍ كـن ظالمـاً            وإذا لقيـتَ ذوي الجهـالةِ فاجهلِ       

3- تصرف الإنسان فيما لا يملك التصرف فيه ، ويقال في مجاوزة الحق، سواءً أكان هذا التجاوز كثيراً أو قليلاً. ومن أنصع الأمثلة على هذا المعنى وعد بلفور؛ حيث أعطى اليهود أرض فلسطين التي لا يملكها، فحصل من جراء ذلك مظلمة

عظيمة ، سُفكت فيها الدماء وقتلت الأنفس التي حرم الله بغير حق ، ولحق بالمنطقة فساد كبير. وفي هذا التصرف وأمثاله تجاوز للحق غير مقبـول ، مهما

كان هذا الحق المستباح قليلاً، إذ قد يترتب عليه ظلم كبير وفساد كثير. ولأمثال هذا يشير ابن المقري بقوله :

يـا ظالمـاً جـارَ فيمن لا نصيـر له           إلا المهيمـنُ لا تغتـرَ بالمُهـَلِ

غـداً تمـوتُ ويقضـي اللـه بينكمـا           بحكمهِ الحقُ لا بالزيغِ والحيـلِ

4- والظلم هو النقص ، وعدم إيفاء الشيء حقه ، وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى: "} ولم تظلم منه شيئاً {(1) أي لم تنقص منه شيئاً. وقوله جلّ ذكره :" }وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"{.(2) أي ما نقصونا شيئاً بما فعلوا ولكن نقصوا أنفسهم. وقوله تقدست أسماؤه : }" إن الله لا يظلم مثقـال ذرة {"(3) أي ينقصهم .

وفي حديث الوضوء: " فمن زاد عن هذا أو نقص فقد أساء وظلم "(4) أي أساء الأدب بتركه السنة ، والتأدب بأدب الشرع ، وظلم نفسه بما نقصها من الثواب بترداد المرات في الوضوء.

5- والظلم هو الميل عن القصد ، وقد ورد هذا المعنى في قولهم: " لزموا الطريق فلم يظلموه "أي لم يعدلوا عنه. وفي هذا المعنى قالت العرب: " الزم هذا الصوب، ولا تظلم عنه" أي لا تنحرف عنه

6- والظلم هو سلب الشيء واغتصابه من غير وجه حق  ؛ يقال: ظلمني حقي. أي سلبني حقي ، وفي هذا المعنى قال الشاعر:

 تظلّـم مالــي هكـذا ولوى يدي              لوى يـده الله الذي هو غالبـه

 

ومنه قول مالك بن حريم :

متى تجمع القلب الذكي وصـارماً              وأنفـاً حميـاً تجتنبـكَ المظالم

7 - والظلم هو أن يُكلف الإنسان فوق ما يطيق ، أو يُطلب منه فوق ما يحتمل ، أو مالا يجده. ومن ذلك قول زهير:

هو الجـوادُ الذي يعطيـك نائلـهُ             عفـواً، ويُظلـم أحيانـاً فينظلـمُ

أي يُطلب منه أكثر مما يقدر على دفعه ، وما هو فوق طاقته.

8- والظلم هو مخالفة أوامر الله ، التي في تنفيذها خير للبلاد والعباد ، والامتناع عن تنفيذ نواهيه التي في تنفيذها درء للضر وللشر ، فإذا بغى العبد وتجاوز الحد المرسوم له فقد ظلم نفسـه لقوله تعالى : }" يا أيهـا الناس إنما بغيكم على أنفسكم{ ".(1) وعن هذا الظلم ينهى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بقوله :

لا تظلمن إذا ما كنـت مقتـدرا               فالظلـمُ مرتعُـهُ يفضي إلى النـدمِ

تنامُ عينُـكَ والمظلـومُ منتبـهٌ               يدعـو عليـكَ وعيـنُ اللهِ لم تنـمِ

9 - والظلمة هي ذهاب النور المؤدي إلى الضلال ، ومنه قوله تعالى: } والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات { (2) أي يخرجهم من نـور الهدايـة إلى ظلمـات الضلالـة

10 - والمظلم هو الشر الكثير المستطير، وفي هذا المعنى ورد قول الشاعر:

    فأقسمُ أن لو التقينا وأنتـــمُ            لكـان لـكم يـومٌ من الشـرّ مظلمُ

والعرب تقول لليوم الذي تلقى فيه شدة وكرب ، يومٌ مظلـم ، حتى إنـهم

ليقولون: يوم ذو كواكب أي اشتدت ظلمته حتى صار كالليل.

   وفي هذا المعنى قال الشاعر مهدداً بني أسد:

   بني أسـدٍ، هل تعلمون بلاءنا              إذا كـان يـومٌ ذو كواكب أشهبُ

وتقول العرب: " تكلّم فلان فأظلم علينـا البيت ، أي سمعنا منه ما نكره.

11- الظلم : الشرك بالله.قال تعالى: }الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن   { (1) وقوله – جلّ شأنه – } إن الشرك لظلم عظيم { (2) وقد أُعتبر الشرك ظلما ؛لأن الله سبحانه وتعالى هو الرزّاق الكريم ، وهو محيِ العظام وهي رميم ، فإذا أشرك المرء به غيره ، فقد جعل النعمة لغير ربها .

    ومن الألفاظ ذات الصلة بالظلم:

أ‌-     البغي  وهو الظلم والفساد والاستطالة على الناس. والبغي في أصل معناه :

الحسد . ثم سمي بغيا لأن الحاسد يظلم المحسـود جهده . وفي هذا المعنى قـال أبو الطيب أحمد بن الحسين :

وأظلمُ أهلِ الظلمِ من بـاتَ حاسـداً               لمن بـاتَ في نعمائـهِ يتقلـبُ

    والبغي هو الكذب ، أو الفجور . وهو التعدي على حقوق الآخرين . يقال : بغى الرجل ؛ أي عدل عن الحق واستطال . و في هذا المعنى ورد قوله تعالى في كتابه العزيز :" } قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق "{. (3) قال الفراء : البغي هو الاستطالة على الناس .

والبغي : هو الظلم والفساد . وفي قولهم : بغى الوالي ، أي ظلم .

    وفي هذا المعنى قال حسان بن ثابت محذرا من عواقب البغي :

وكـم حافـرٍ حفـرةً لامـريءٍ              سيصرعـه البغـي فيمـا احتفـر

      وكل مجاوزة وإفراط عن المقدار الذي هو حد الشيء ، هو بغي .وفي هذا المعنى ورد في التنزيل قوله تعالى : " }ثم بُغي عليـه لينصرنه الله{"(1) وقولـه جـلَّ ذكره : " }والذين إذا أصابهم البغي هو ينتصرون "{ (2) والبغي فعل مذموم لذلك قالت العرب محذرةً من عواقبه : " على الباغي تدور الدوائر "

والبغيّ يعني : المرأة الفاجرة الزانية . وفي هذا المعنى ورد قوله تعالى : } وما كانت أمك بغيا {(3)

ب- الضيم ؛ وهو الظلم . وفي حديث الرؤية ، وقد قيل للنبي صلى الله عليـه وسلم : " أنرى ربنا يا رسول الله ؟ فقال عليه السلام : " تضامون في رؤية الشمس في الظهيرة في غير سحاب ؟ " قالوا : لا . قال : " فإنكم لا تضامون في رؤيته ." (4) أي : لا ينالكم ضيم في رؤيته ، فيراه بعضكم دون بعض . وفي هـذا المعنى قـال المثقب العبدي :

 ونحمي على الثغـرِ المخوفِ ونتقـي       بغاراتنـا كيـدَ العدى وضُيُومها

ويقول البارودي ساخرا ممن يقبل الضيم :

يـرى الضيـمَ يغشـاهُ فيلتـذُّ وقعَـهُ          كذي جربٍ يلتـذُّ بالحـكِ جلدُهُ

ج – الحيف : وهو الجـور والظلـم والميل في الحكم ؛ قالت العرب : حـاف

الرجل ، أي فضل بعض أولاده على بعض ، فأعطى هذا وحرم ذاك .ومن الأمثلة على هذا المعنى :  جاء بشير الأنصاري بابنه النعمان إلى النبي صلى الله عليـه

وسلم ، وقد نَحَلَه نِحلا ، وأراد أن يشهد الرسول عليه ،  فقال له النبي عليه السلام : " أكُلَّ ولدك قد نحلت مثله ؟" قال : لا . قال : " فإني لا أشهد على حيف ، وكما تحب أن يكون أولادك في برك سواء ، فسوِّ بينهـم في العطـاء ."(1)

والحيف هو الجور ، وقد ورد في التنزيل قوله تعالى " } أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله {" (2) أي يجور . وفي حديث عمر رضي الله عنه ، ورد قوله عليه السلام : " حتى لا يطمع شريف في حيفك "(3) أي في ميلك معه لشرفه .

د – الجور ، وهو نقيض العدل ، وفي هذا المعنى يقول زكي قنصل :

جورُ الغريـبِ مصيبـةٌ لكنمـا           جـورُ القريـبِ هو البـلاءُ الأعظـمُ

 ويقال : أجار فلان جاره من الجور  . أي حماه من أن يظلم . وفي هذا المعنى قال محمود سامي البارودي حاثا على مقاومة الجور :

إذا المرءُ لم يدفـع يدَ الجـورِ إن سطت     عليهِ فلا يأسـف إذا ضـاعَ مجـدهُ

وأقتــلُ داءٍ رؤيــةُ المـرءِ ظالمـا      يُسيءُ ويتلـى في المحافـلِ حمـدهُ

     ويحذر أسامة بن منقذ الظالم من جوره فيقول له :

         كـلُّ ما استـعذبتَ مـن           جـوركَ تعذيـبٌ وجمـرُ

         ليـسَ يلقـى دعوة المظ            لـومِ دون اللـهِ ستــرُ 

 والجور هـو الميل عن القصد . وفي هذا المعنى ورد قول عمرو بن عجلان :

  

وقـولا لهـا : ليس الطريق أجارنا             ولكننـا جرنـا لنلقـاكم عمـدا

هـ الطغيان ، وهو الغلو في الكفر ، وكل مجاوز حدّه في العصيان . وكل شيء جاوز القدر فقد طغى . وفي قولهم : طغى الماء والبحر ، أي ارتفع على كل شيء واخترقه . وفي هذا المعنى ورد قوله تعالى :" } إنّا لما طغى الماء حملناكم في الجارية . { (1) و قوله سبحانه وتعالى :" }ونذرهم في طغيانهم يعمهون{ (2)

قال أبو بكر : الطغيان هو الغي .وأنشد :

وإن ركبـوا طغيانـهم وضلالـهم           فليـس عـذابُ اللهِ عنـهم بلابـثِ

ومن هذا المعنى جاء الطاغوت . والطاغوت هو الشيطان ، وكل رأس في الضلال . قال تعالى :  }يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، وقد أُمروا أن يكفروا به { (3)

ومنه الطاغية ، والطاغية هو الملك الظالم . ومن هذا القبيـل قولهم : طاغية الروم

والطاغية : هو الجبار العنيد . والأحمق المستكبر الظالم . والذي لا يبـالي بما

 أتى ، فيأكل أموال الناس ويقهرهم . وفي هذا المعنى يقـول الشـاعر القروي

ساخطا على حكام عصره :

تقبّلـون يـدَ الطاغـي مفاخـرةً             كأنـكم قـد بلغتـم ذروةَ الشـرفِ

إنَّ الذليـلَ  يعـدُّ الصفـعَ تكرمةً           والضربَ بالنعـلِ تربيتاً على الكتفِ

هـ العسف : وهو العدول عن الطريق على غير هداية  ، وعسف السلطان ظلمه

وجوره ، وعسف الشيء أخذه بقوة ، وعسف في الأمر : فعله في غير تدبر .

 وفي هذا المعنى قال عمر بن الوردي محذرا منه :

إيـاكَ مـن عسـف الأنـامِ وظلمهم        واحـذر من الدعـواتِ في الأسحارِ

وإن ابتـليـتَ بـزلـةٍ وخـطيئـةٍ         فـانـدم ، وبـادرهـا بالاسـتغفارِ

 

والظلـم اصطلاحـاً:

    اصطلح الفقهاء على أن الظلم هو :

1- التصرف في حق الغير بغير حق.(1) 

2- وضع الشيء في غير موضعه. (2)

3- التصرف في ملك الغير ومجاوزة الحد.(3)

4- وضع الشيء بغير محله بنقص أو زيادة، أو عدول عن زمنه.(4) 

5- وقال الراغب: الظلم هو الانحراف عن العدل. (5)

6- وقال الجاحظ: هو الخروج عن الاعتدال في جميع الأمور، والسّرف والتقصير، وأخذ الأموال من غير وجهها، والمطالبة بما لا يجب من الحقوق، وفعل الأشياء في غير مواضعها ولا أوقاتها، ولا على القدر الذي يجب ولا على الوجه الذي يجب.(6) 

7- وقال الكفوي: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، والتصرف في حق الغير، ومجاوزة حد الشارع.(1)

       ويستفاد مما سبق أن الظالم هو  : " المانع أهل الحقوق حقوقهم ....

" فالإنسان الذي يتعدى على مال غيره هو ظالم .

والحاكم الذي لا يساعد الناس على نيل حقوقهم هو ظالم .

والقاضي الذي يخرج في حكمه عن الحق هو ظالم .

والشريك الذي يخون شريكه هو ظالم .

والزوج الذي يسيء معاملة زوجته وأولاده هو ظالم .

والزوجة التي لا تراعي حقوق زوجها وتهمل تربية أولادها هي ظالمة ." (2)

 

    فمن رغب من عباد الله في أن يحمي نفسه وأمواله وأبناءه من عقاب الله فإن الخطوة الأولى في سبيل ذلك هي اجتناب تلك الممارسات المنحرفة عن الصراط المستقيم والمتعارضة مع شرع الله الحكم العدل ، والتي سيأتي تفصيلها في مقال آخر على هذا الموقع تحت عنوان " الظلم وأشكاله المهلكة " .


Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz