مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

التحذير من الظلم في القرآن والسنة

 

محمود طافش الشقيرات

التحذير هو التخويف من الإقدام على عمل قد يثمر شرا ، أويعقبه ندم ، وغالبا ما يترتب على الاستجابة له خلاص من مأزق ، أو نجـاة من مكروه .ويكون التحذير ممن يحب الخير للخلق ، ويكره أن يقع بهم أذى . كأن يحذر أبٌ ابنه من رفاق السوء ، أو صديقٌ صديقه من الخيانة ولؤم الطبع . وفي هذا البحث قصد الباحث تحذير الله لعباده من الظلم ، وتحذير النبي – صلى الله عليه وسلم - لأمته من عواقبه . وكلاهما يريد لهذه الأمة خيرا ، ولا يريد بها شـرا .

 وفي التحذير قال الشاعر العربي القديم :

 حـذارِ حـذارٍ من فـوارسِ دارمٍ             أبـا خالـدٍ من قبـلِ أن تتنـدما

       والحذر سمةٌ محمودة لذلك فقد سمّت العرب أبناءها به .ومن الأسماء التي وردت في سجل التجارب الإنسانية في هذا المعنى "حُِذارُ " ،وهو قاضي العرب في الجاهليـة ، من بني أسـد . وهو الذي عناه  الشاعر  ميمون بن قيس المعروف بالأعشى حين قال :

وإذا طلبـت المجـدَ أيـن محلُّـهُ              فاعمِد لبيـتِ ربيـعةَ بن حُِـذارِ

   والتحذير يتضمن معنى الإنذار ، لكي لا يكون للمُنذَر حجة . يقول العليم الخبير في كتابه العزيز: } وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى اجل قريب نُجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسـمتم من قبـل ما لـكم

من زوال . وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال { (1)

نظرا  للأوامر الصريحة التي تنهى عن الظلم ، في القرآن الكريم ، وفي السنة النبوية المطهرة ، فقد تبارى الفقهاء والحكماء في التنبيه لخطورته ، وفي التحذير من ممارسته ، أو الإقدام عليه . وإضافة إلى الآيات البينات التي أضاء الله العليم الحكيم بها سبيلنا ، وإلى الأحاديث الشريفة التي تفضل علينا بها معلمنا وهادينا ، محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن هناك المئات من الأقوال الحكمية ، النثرية والشعرية ، المدونة في سجل التجارب الإنسانية ، كأدب إنساني خالد ، يتوارثه الخلف عن السلف ، وكلها تحذر وتنفر من الظلم . وحيث إن الظلم طامة كبرى تحيق بالظالمين ، فإنه يترتب عليه فساد كبير في الأرض ، و خوف وقلق واضطراب في أحوال الناس ؛ ولهذا فقد أكد الله سبحانه وتعالى في قرآنه ، وعلى لسان نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، على : " } إنه لا يفلح الظالمون  { (2) وعدم الفلاح هذا مرده إلى أن الظلم يتسبب في غضب الرب ، فيصب على رؤوس عباده الظالمين كؤوس العذاب ، ويهيئ لهم مختلف أصناف البلاء التي تتناسب مع مستويات ظلمهم ، والتي من أقلها أنه سيصيبهم صغار من الله و ذلة ، إذ ليس لهم منه نصير ولا منقذ .

(1)  والظلم إضافة إلى ذلك يتسبب في خراب الأوطان ، وسقوط الدول ، لأن عدم الأخذ على أيدي الظالمين يفسد المجتمعات ، ويدمر الحضارات . ونظرا للعواقب الوخيمة التي تترتب على ظلم الناس ، فقد حذر الإسلام من ممارسته أو الإقدام عليه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اتقوا الظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ."  (1)

وقد وعد الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين به ، المخلصين له بالعبادة ، بأن يكفّر عنهم صغائر السيئات والذنوب ، التي يقعون بها في حياتهم العملية ، إذا اجتنبوا الكبائر التي نهاهم عنها . فقال جلّ شأنه مخاطبا أحبابه الذين أسلموا له بالطاعة بود ورأفة : } إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم ، وندخلكم مدخلا كريما { (2) وقال جلّ شأنه في موقع آخر مثنيـا على عبـاده

المنيبين إليه ، والمستجيبين لأوامره:  }والذين يجتنبون كبـائـر الإثـم والفـواحـش وإذا ما غضبوا هم يغفرون  { (3)

وحيث إن كبائر الذنوب تفسد المجتمع بما تجلب من نقم ، وبما تمحـق من نعم ، فقد تكرر التحذير منها في أكثر من موقع في كتاب الله الكريم ، وفي سنة رسوله العظيم صلى الله عليه وسلم ، وعلى ألسنة الحكماء والوعّاظ والمجربين . وفيما يلي استعراض لأهـم الأسـاليب التحذيرية التي وردت في هذا السـياق :

أولا : التحذير من الظلم في القرآن الكريم .

توعد الله القاهر فوق عباده الظالمين كفرا وإشراكا ، بعدم المغفرة و بأشـد أنواع العذاب ، فقال جلّ شأنه : }إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا.إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا { (1)

ويلاحظ الباحث الدارس لكتاب الله الكريم ، أن الله سبحانه وتعالى قد وظّف مختلف وسائل الإنذار والترهيب لتنفير عباده من الظلم ، ولردع الظالمين عن ظلمهم ، وردهم عن غيّهم ، قبل أن يوقع العقاب بهم . ومن أبرز هذه الوسائل :

1 – التهديد المباشر بإيقاع العقاب الشديد . ونظرا للمخاطر والمفاسد الكثيرة التي تترتب على الظلم ؛ فإن الله العزيز الجبار يشن حربا لا هوادة فيها على الظالمين ، ولكنـه يمهل ولا يهمل . إنه يحذرهم وينذرهم قبل أن يعاقبهم بملائكة عذابه ، وبعباده أولي البأس الشديد . وهذا ذو القرنين يتوعد الظالمين المصرّين على الشرك بعد أن مكنّه الله منهم بأقسى العبارات: " } قال أما من ظلم فسوف نعذّبه ، ثم يردّ إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً ." {  (2)

وفي موضع آخر ، يتوعد الله - سبحانه وتعالى - الظالمين وينذرهم ، بأنهم إذا لم يرجعوا عن ظلمهم وكفرهم ، فإنه قد أعد للمعتدين منهم عذاباً شديداً ، لا منجاة منه . يقول العزيز الجبار : (} إنّا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ، وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ، بئس الشراب وساءت مرتفقا{ (3)

ويتوعد الله العزيز الحكيم – وهو القاهر فوق عباده – الظالمين بعذاب أليم في الدنيا قبل عذابه الغليظ الآخرة ، فيبتليهم بالمصائب والأمراض لعلهم يتوبون ، ويؤوبون إلى ربهم قبل فوات الأوان ، لكنهم لا يفهمون ما يراد بهم . يقول الغفور الرحيم : " } ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الكبر لعلهم يرجعون  { (1) فإذا صرف الله عنهم ما هم فيه من بلاء ، عادوا إلى أسوأ مما كانوا عليه . ومن أمثال هؤلاء الظالمين ما أخبرنا عنه نبينا وهادينا محمد ٍ صلى الله عليه وسلم حين قال : " إن المنافق إذا مرض وعوفي ، مثله في ذلك مثل البعير ، لا يدري فيما عقلوه ، ولا فيما أرسلوه ."  (2)

ويحذر الله الظالمين من أن يكونوا من الذين وجب عليهم الخلود في النـار فينطبق عليهم قول العزيز الجبار : } ونذر الظالمين فيها جثيا{  (3)    

وتأمل معي هذه الآيات البينات التي تقرع الأسماع ، وتوحي بالعذاب الشديد الذي لا حدود له :

أ –} وسيعلم الذين ظلموا أي مُنقلب ينقلبون {   (4) إذا ماتوا وهم ظالمون .

ب –} وأعتدنا للظالمين عذابا أليما  {  (5) إذا لم ينتهوا عما هم فيه من ظلم .

ج –} وإن الظالمين لهم عذاب أليم {  (6) إذا ظلوا مكابرين وفي غيّهم سادرين .

د –} فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم { (1)    إذا لم يتوبوا ويؤوبوا .

هـ } ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا  { (2)   إذا أصرّ على عناده وكفره .

و- } ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون {  (3) وهذا جزاؤكم لأنكم لم تستمعوا لنصائحنا وتحذيراتنا .

وقد خص الله – سبحانه وتعالى – الظالمين الذين يأكلون أموال اليتامى دون وجه حق بعذاب غليظ فقال سبحانه وتعالى : } إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ، وسيصلون سعيرا {  (4) . كما جعل النبي صلى الله عليه وسلم أكل مال اليتيم من السبع الموبقات ، حيث قال : " اجتنبوا السبع الموبقات " قيل : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : " الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات ." (5)

ويحذر الله – سبحانه وتعالى – الظالمين الذين يقتلون أنفسهم بارتكاب الكبائر ، أو بتعريضها للمخاطر ، أو بالانتحار ، أو بأية وسيلة أخرى ، من أن يصيبهم عذاب النار . فيقول وهو الغفور الودود : } ولا تقتلوا أنفسكم ، إن الله كان بـكم

رحيـما . ومـن  يفعـل ذلـك عدوانـا وظلمـا فسـوف نصليـه نـارا  {(1)

ومن أوضح الأمثلة التي توضح مدى حرص الإسلام على الرفق بنفوس العباد ، ما حدّث به عمرو بن العاص رضي الله عنه حين قال : "  احتلمت في ليلة باردة ، في غزوة ذات السلاسل ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح . فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له . فقال : " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ! " قال : قلت : يا رسول الله ، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فذكرت قول الله عز وجل } ولا تقتلوا أنفسكم ، إن الله كان بكم رحيما { فتيممت ثم صليت . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل شيئا . (2)

2 – التحذير بضرب الأمثال ، وذلك بتفصيل الحديث فيما أصاب الأمم الظالمة السالفة والقرون الخالية ،  من خراب ودمار . ويلفت الخبير البصير أنظار الذين يظلمون إلى أنه سيصيبهم مثل ما أصاب الظالمين الذين سبقوهم كعاد وثمود ومدين وقوم لـوط ، حيث أهلكهم الله بظلمهم بعد أن استنفذوا الفترة الزمنية التي منحهم إياها ليتوبوا ويرجعوا ، لكنهم تمادوا في غيّهم فحق عليهم عذاب ربهم . يقول المنتقم الجبار : " } وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا ، وجعلنـا لمهلكهم موعدا{(3)

ويقول جل شانه ، في موضع آخر من كتابه الكريم ، مخاطبا الظالمين المكذبين بما نُزّل على محمد وهو الحق : } أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشدَّ منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق {(1)  ويضيف سبحانه وتعالى ، موضحا سبب هلاك تلك الأمم البائدة : }ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي المجرمين  { (2)  وهذا تصريح صريح بما آلت إليه الأمم السابقة من سوء العاقبة عندما ظلموا وتنكروا للتعليمات والنصائح الربانية التي جاء بها الرسل .

   وأكتفي في هذا المقام بذكر نماذج مما أصاب الأمم السابقة ، وأترك التفصيل في هذا الموضوع ، لأعود إليه – إن شاء الله – في الفصل الرابع عند الحديث عن العقوبة التي أعدّها الله للظالمين .

   يخبرنا الله – سبحانه وتعالى – بالمصيبة التي حلت بفرعون وجنوده عندما طغوا وبغوا وأكثروا من الفساد في الأرض قال العزيز الجبار : }فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين . {(3)

وأما قوم عاد العتاة الجبارين المتمردين ، الذين استكبروا بغير الحق ، فقد أهلكهم بريح صرصر عاتية  } سخرها عليهم سبع ليال ٍ وثمانية أيام حسوما ،

 

فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية {  (1)  ويقول سبحانه و تعالى في موضع آخر : } وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم . ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ) (2)

وأما قوم نوح ؛ فقد أهلكهم الله المنتقم الجبار غرقا . قال سبحانه وتعالى : } مما خطيئاتهم أُغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا . وقال نوح ربِ لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً .إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفاّرا { (3)

والله – سبحانه وتعالى- يمهل ولا يهمل يقول جل شأنه : } ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة  { (4) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم  في حديث رواه البخاري ومسلم  : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"(5) وتأمل معي عبارة " لم يفلته" إنها توحي بشدة العقوبة ،  وبالسقطة التي لا منجاة منها . ويؤكد هذا الفهم قوله تعالى: }وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ، إن أخذه أليم شديد  {  (6) اللهم إنّا نعوذ بك من الظلم ومن الظالمين . اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا ، إنك أنت السميع المجيب .

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخول مساكن الذين ظلموا دون الاعتبار منها  ، والبكاء على ما أصاب أهلها . عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرّ بالحجر (ديار ثمود قوم صالح ) قال : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا ، إلا أن تكونوا باكين ، أن يصيبكم ما أصابهم " ثم تقنع بردائه وهو على الرحل .(1)  

 

3 – الإشارة إلى الخسائر التي سيمنى بها الظالمون ، إذا لم ينتهوا عن ظلمهم لأنفسهم ولغيرهم وأصروا على كفرهم  .  فإنهم لن يستفيدوا من رحمة الله ، ومن الخير العظيم الذي يتمتع بها عباد الله المتقون بفضل عباداتاهم وتقربهم إلى الله ؛ فقد أخبر الله – العليم الحكيم – بان في هذا القرآن العظيم الذي أنزله على نبيه الكريم خيرا عظيما يصيبه المتبعون لرسالته ، وهذا الخير يحصل عليه المسلم بتلاوة آيات الله ، وبالعمل بما جاء فيها ؛ فهو ( شفاء ورحمة للمؤمنين { (2)  يُذهب الله بآياته ما في قلوبهم من أمراض اجتماعية فتاكة كالشرك والنفـاق والظلم ، كما أن فيه حكمة وطمأنينة ورغبة في عمل الخير ..أما الظالمون فهم في شركهم وشكهم يتخبطون ، قد امتلأت قلوبهم حقـدا ونفاقـا .  يقول سبحانه وتعالى : } وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالميـن إلا خسـاراً{  (3)

ولذلك ، إذا قامت القيامة ، وظهر الحق ، وبطل الباطل ، وتأكد للظالمين بأن كل أموالهم التي جمعوها وسفكوا الدماء من أجل الحصول عليها لن تغني عنهم من الله شيئا . وهنا يتبين لهم مدى الخسـارة الفادحة التي لحقـت بـهم ، وبأن كل ثروات الدنيا التي كانوا يرتكبون الموبقات طمعاً في الحصول عليها ، لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، فيصيبهم الندم ، وتحـرق قلوبهم الحسـرة . يقـول الله - سبحانه وتعالى - محذراً إياهم من الاستمرار في غيهم وظلمهم : } ولو أن لكل نفسٍ ظلمت ما في الأرض لافتدت به { (1)

4 – الإشارة إلى عجز آلهتهم وكبرائهم عن مساعدتهم :

       ويحذر الله – سبحانه وتعالى – الظالمين بأن شياطينهم الذين أضلوهم سيتخلون عنهم وأنهم لن ينفعوهم ، ولن يستطيعوا إنقاذهم من العذاب ، وبأنهم سيندمون يوم لن ينفعهم الندم ، إذا لم يتوبوا ويؤوبوا إلى ربهم . يقول سبحانه وتعالى : } وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمونِ من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم . {   (2)

       وفي موضع آخر يصور الله العزيز الجبار الظالمين وآلهتهم التي كانوا يعبدونها وقد بدت عاجزة عن الانتصار لنفسها، وعن تقديم العون لهم ، وقد تبرأت

منهم وتخلـت عنهم .  يقول العليم الحكيم مخبراً عن أحوالهم : } ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل . قالوا سبحانك ما كان لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعّتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا . {(1)

 وهناك العديد من الآيات الكريمة التي تنذر الظالمين بسوء العاقبة إذا هم استمروا على ظلمهم ، منها :

 } وأعتدنا للظالمين عذاباً أليما { (2)

} إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها { (3)

} والظالمين أعدَّ لهم عذابا أليماً { (4)

 } فويل للذين ظلموا من عذابٍ يومٍ أليم{ ا (5)

 } ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه نارا { (6)

       والمتأمل لهذه الآيات البينات يلاحظ عدة حقائق هي :

أ – أن العذاب الذي أعده الله للظالمين شديد .

ب – أن المقصود بهذا العذاب الشديد هو ترهيبهم لكي لا يقدموا على الظلم .

ج – أن الله سبحانه وتعالى ترك الباب مفتوحا لتوبة الظالمين ، فليس الهدف هو إيقاع العذاب بهم ، وإنما ردهم عن غيهم وعن ظلمهم قبل موتهم ، فلا يخلدون في العذاب المقيم .

5 - الإشارة إلى عدم قبول الأعذار :

    ويوم القيامة لا يقبل الله من الظالمين المشركين عذرا ولا فدية ، ويُطردون من رحمة الله إلى نار جهنم وبئس القرار . يقول الله سبحانه وتعالى ، مشيرا إلى ذلك اليوم الذي تشيب من هوله الولدان : } فيومئذٍ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون { (1) أي يرجعون إلى الدنيا ليقلعوا عن ظلمهم وعدوانهم ويعملوا الصالحات . وهنا يخبرنا - سـبحانه وتعـالى- بأنهم سيعترفون بظلمهم وبضلالهم ، ولكن بعد فوات الأوان : فيقول الذين ظلموا : } ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل{ (2) 

       وفي موضع آخر يقول الله سبحانه وتعالى مصورا الندم الذي يشعر به الظالم عندما يأتيه الموت : } حتى إذا جاء أحدَهم الموتُ قال : ربِ ارجعون ..لعلي أعمل صالحا فيما تركت{(3)..

6 – التذكير بالندم الذي سيصيب الظالمين يوم لن ينفعهم الندم .

       ويجمع الله الظالمين في عرصات يوم القيامة ، بحالة مزرية من الخـوف

والوجل والذل والهوان ، وهم نادمون على ما بدر منهم من قـول وسـوء فعل .

يقول سبحانه وتعالى : } وترى الظالمين مشفقين مما كسبوا . {(1) يتمنون أنهم لم يظلموا الناس ولم يعتدوا على حقوقهم .

       ويصور الله سبحانه وتعالى وقوف الظالمين بين يديه يوم القيامة ذليلين نادمين ، يلومون كبراءهم وساداتهم الذين أضلوهم وزينوا لهم الظلم ، فيقول وهو العليم الخبير : } ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا انتم لكنا مؤمنين  { (2) ولن تنفعهم معذرتهم ولا ندمهم لأن رسولهم قد حذرهم من قبل ، لكنهم أعرضوا واستسلموا لشهواتهم ، فقادهم ظلمهم إلى مصيرهم المظلم الذي لا منجاة لهم منه . إلا أن يتغمدهم الله الرؤوف الودود برحمته .

7 – الحرمان من العهد .

     العهد شرف عظيم يمن الله به على بعض عباده ليحملوا أمانته و ليكونوا أئمة يقودون الناس إلى الخير وإلى العزة والكرامة ، ويقتدون بهم في أعمال الخير ،  وفي السلوك القويم . وعهد الله هذا لا يفوز به إلا عباده المتقون ، وهو محرّم على الظالمين المنحرفين الذين يوالون الكفار وينهبون خيرات الناس ، ويفرقونهم شيعا ، ويقودونهم إلى المهالك . يقول الله سبحانه وتعالى : } وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ، قال لا ينال عهدي الظالمين . {  (3) لأن الظالم  لا يصلح أن يكون إمامـا يُقتـدى به ، إذ لا

طـاعـة ولا عهـد لظـالـم ، لا يمكن أن يكون أمينـا على مصالـح الناس.

8– التعبير عن عدم محبة الله لهم ، وكراهيته لممارساتهم .

     فحب الله لا يفوز به إلا عباده المتقون ،المخلصون له بالعبادة ، ومن حظي بحب الله فقد فاز ، ومن لم يحظَ به فقد خاب وخسر ، وقد أوضح الله سبحانه وتعالى في أكثر من موقع في كتابه الكريم بأنه : } لا يحب الظالمين{ (1) 

 

9 – التضييق عليهم بتجريدهم من الأنصار ؛

     يصور الله سبحانه وتعالى الهلع والفزع الشديد الذي يستبد بقلوب الظالمين المشركين به يوم القيامة فيقول :  }وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع { (2) ويكرر الله - سبحانه وتعالى - هذا التهديد للظالمين الذين لا يعملون بطاعته ويخالفون أوامره ، ويكذّبون بآياتـه ، ويشركون به أحدا من خلقه . فيقول :  } وما للظالمين من أنصار {  (3) يستطيعون إنقاذهم من عذاب النار .

       وليس للظالمين المشركين منقذ ينقذهم من عذاب الله يوم القيامة} وما للظالمين من نصير  { (4) ويخاطبهم الله سبحانه وتعالى قائلا : } اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ..لا ظلم اليوم ..إن الله سريع الحساب . {(5)  

10 – عدم هداية الله لهم .

    فإذا ظلم العبد نفسه بالرجوع عن الإسلام بعد أن هداه الله إليه ، فإنه لا يستحق هداية الله  إلا إذا تاب توبة صادقة ، تصدر من قلب نادم مخلص ، يقول الله سبحانه وتعالى : } كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين{ (1) يقول المفسرون: إن هذه الآية نزلت في رجل من الأنصار اسمه الحارث بن سويد ، كان قد اعتنق ديـن الله ، ثم ظلم نفسه فارتد عن الحق ، ولحق بأهل الشرك ، ثم إنه ندم على ما بدر منه ، فأرسل إلى قومه : أن سلوا رسول الله هـل لي مـن توبـة ؟ فأنزل الله قوله تعالى : }  كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم {  (2) لكنه سبحانه وتعالى يبقي  باب التوبة مفتوحا للتائبين  ويستثنيهم من عدم الهداية فيقول: } إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ، فإن الله غفور رحيم {(3) ." فتاب الرجل وأسلم وحسن إسلامه . لكن الذين لا يتوبون ويصرون على ظلمهم فـ" }أولئك جزاؤهم أنَّ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . خالدين فيها  لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظـرون  {(4) وفي موضع آخر يقول سبحانه وتعالى : }فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين {   (5) الذين يحرمون ما أحلّ الله لهـم . } والله لا يهدي القوم الظالمين { (6) الذيـن

يبنـون المسـاجـد كفـراً وتفريقـا بيـن المؤمنيـن ، ويصدون عن سـبيـل الله . اللهم إنّا نعوذ بك من شرورهم ، ونجعلك في نحورهم .

                                              

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz