مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

الصبر في القرآن الكريم...مفهومه وفضائله

إعداد العبد الفقير لرحمة ربه وعفوه : محمود طافش الشقيرات

مقدمة :

   لا يملك الإنسان المسلم المؤمن بقضاء الله وقدره ، والذي يعيش في هذا العصرالمضطرب  الذي استحرّ فيه القتل ، وادلهم الخطب ، وكثرت مصائبه ومحنه إلا ان يصبر ويحتسب عند ربه معاناته ؛ لأن ذلك كان قدره وما أصابه لم يكن ليخطئه ؛ فقد قال جل شأنه وهو الغالب على أمره في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {  ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )(1)  وهؤلاء الصابرون المحتسبون ثوابهم عند الله متنوع ومتكامل وعظيم ينتهي بهم إلى جنة عرضها كعرض السموات والأرض هم فيها خالدون . فما المقصود بالصبر ؟ وما أهم فضائله ؟

معنى الصبر :

  ورد في لسان العرب لابن منظور أن الصَّبْر في اللغة هو الحَبْس، وكل من حَبَس شيئاً فقد صَبَرَه؛ وفي الحديث: ( لا أَحَدَ أَصْبَرُ على أَذًى يَسْمَعُه من الله عزَّ وجلَّ)(2) ؛ أَي أَشدّ حِلْماً على فعِل ذلك وترك المُعاقبة عليه. والصَّبر حَبْس النفس عند الجزَع، قال الله تعالى: {واصْبِرْ نفسَك مع الذينَ يَدْعُون رَبَّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . } (3) ومن  أَسماء الله الحسنى  الصَّبُور ؛ وهو الذي لا يُعاجِل العُصاة بالانتقام ِ.

  والصبر في الشرع هو أن يلتزم الإنسان بما يأمره الله به فيؤديه كاملا، وأن يجتنب ما ينهاه عنه اجتنابا تاما ، وأن يتقبل بنفس راضية كل ما يصيبه من مصائب الدنيا وشدائدها . يقول الله سبحانه و تعالى: { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين}(4) وفي قوله جلّ شأنه : { وتَواصَوْا بالصَّبْرِ}؛ معناه: تَوَاصَوْا بالصبر على طاعة الله ، والصَّبْرِ عن ارتكاب مَعاصِيه. ومن هنا جاء تسمية شهر رمضان بشهر الصبر ؛ فقد ورد عن كهمس الهلالي رضي الله  عنه أنه قال : ( أسلمتُ فأتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأخبرتُه بإسلامي فمكثتُ حولا وقد ضَمُرْتُ ونحلَ جسمي ثم أتيتُه فخفضَ فيَّ البصرَ ثم رفَعه . قلتُ أما تعرِفُني ؟ قال ومن أنتَ؟  قلتُ : أنا كَهْمَسُ الهلاليُّ . قال صلى الله عليه وسلم :  فما بلغ بكَ ما أرى؟  قلتُ : ما أفطرتُ بعدَك نهارًا ولا نمتُ ليلا . فقال : ومن أمرك أن تُعذِّبَ نفسَك. صُمْ شهرَ الصَّبرِ ومن كلِّ شهرٍ يومًا . قلتُ : زِدْني . قال : صُمْ شهرَ الصَّبرِ ومن كلِّ شهرٍ يومَينِ . قلتُ : زِدْني ....أجدُ قُوةً  . قال : صُمْ شهرَ الصَّبرِ ومن كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيامٍ ) (5) وسُمِّي الصومُ صَبْراً لِمَا فيه من حَبْس النفس عن الطَّعام والشَّرَاب والنِّكاح .

وأما قوله جلّ شأنه : {  اصْبِرُوا وصَابِرُوا} (6) أَي اصْبِرُوا واثْبُتُوا على دِينِكم، وصابروا أَي صابروا أَعداءَكُم في الجِهاد.

   والله سبحانه وتعالى يحث عباده على الصبر  وعلى العفو والصفح  ، فقال سبحانه {   وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور } (7) وفي هذه الآية الكريمة يحث الله سبحانه وتعالى عباده على احتمال الأذى والصبر عليه .

      ويصف ابن الجوزي – رحمه الله - الصبر بأنه : ( حبس النفس عند الجزع ، وحبس اللسان عن الشكوى ، وحبس الجوارح عن المعصية .)

     وقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن تكون حياة البشر كلها  مزيجًا من السعادة والشقاء ، قال الحكيم العليم :{إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا }(8)  

 وقال حكيم عربي :

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى   ظمئتَ وأيُّ الناسِ تصفو مشاربُه

    والصبر الجميل يكون دائما وفي كل حال ؛  يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ ذات يوم على قبر ، فرأى امرأة جالسة إلى جواره وهي تبكي على ولدها الذي مات، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقي الله واصبري). فقالت المرأة: إليك عني، فإنك لم تُصَبْ بمصيبتي.
   فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن المرأة تعرفه، فقال لها الناس: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسرعت المرأة إلى بيت النبي عليه أفضل الصلاة والسلام  تعتذر إليه، وتقول: لَمْ أعرفك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى)(9) [متفق عليه].

أنواع الصبر :

     يندرج مفهوم الصبر تحت ثلاثة محاور رئيسة هي :

أولاً – الصبر على فعل الطاعات ؛ كالصوم والحج والمحافظة على الصلوات مع الجماعة في المسجد ، والإنفاق في سبيل الله وغير ذلك من أمور عبادية ، قال تعالى في كتابه العزيز : {  إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ } (10) 

ثانيا : الصبر عن المعاصي ؛ كالشرك بالله والزنا والسرقة ، وشرب الخمر ، وممارسة السحر ، والسرقة ، وغير ذلك من الموبقات  ؛  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل المهاجرين من هجر ما نهي الله عنه، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله -عز وجل-) (11)


ثالثا : الصبر على المكاره ، ومنها :

1 -  الصبر على حتمال الشدائد ؛ كالثبات في القتال ، ومواجهة الأعداء ، ويعد الصبر في القتال من أبرز عوامل النصر على الأعداء بعد التوكل على الله ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصحا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( واعلم أن النصر في الصبر )(12).  وفي هذا المعنى قال فارس عربي حاثا نفسه على الصبر في مواجهة الأعداء :

فصبراً في مجالِ الموتِ صبراً     فما نيلُ الخلودِ بمستطاعِ

2 - الصبر على أذى الناس وكيدهم وحسدهم : قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم إذا كان مخالطًا الناس ويصبر على أذاهم، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)(13)  رواه الترمذي وقال الحكيم العربي :

اصبر على كيدِ الحسودِ فإن صبرَك قاتلُه      فالنارُ تأكلُ بعضَها إن لم تجد ما تأكلُه


3 – الصبر على المرض ؛ فإن صبر المسلم على مرضه سبب في دخوله الجنة، وهذه أم زُفَر - رضي الله عنها- كانت مريضة بالصَّرَع، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لها بالشفاء. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيكِ). فاختارت أن تصبر على مرضها ولها الجنة في الآخرة. متفق عليه . ويقول تعالى في الحديث القدسي: (إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه (عينيه) فصبر، عوضتُه منهما الجنة)(14)


4 - الصبر على المصائب: وعلى ما يصيب العبد في ماله أو نفسه أوأهله وقال عليه أفضل الصلاة والسلام : (من أصيب بمصيبة في ماله أو نفسه ، وكتمها ولم يشْكُهَا إلى الناس، كان حقًّا على الله أن يغفر له)(15)  الهيثمي المكي في الزواجر  وقال عليه السلام : (يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضتُ صَفِيهُ من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)(16)  

قال عبد الله بن الأحوص رحمه الله :

صبراً جميلاً على ما نابَ من حدثٍ       والصبرُ ينفعُ أحيانـًا إذا صبروا

الصـبرُ أفضلُ شيءٍ تسـتعينُ به        على الزمانِ إذا ما مسّكَ الضررُ

   وهذا حكيم عربي ينصح المبتلين بأن يصبروا فيقول :

إذا ما أتاكَ الدهرُ يومًا بنكبةٍ        فأفرغْ لها صبراً ووسّعْ لها صدرا

فإن تصاريفَ الزمانِ عجيبةٌ      فيوماً ترى يسراً ويوماً ترى عسرا

وقال آخر :

فإذا ابتليتَ بعثرةٍ فاصبرْ لها       صبـرَ الكريـمِ فإنَّ ذلكَ أحزمُ

لا تشكونَّ إلى الخلائقِ إنما        تشكو الرحيمَ إلى الذي لا يرحمُ

وقال آخر :

ولربَّ ضائقةٍ يضيقُ بها الفتى       وعنـد اللهِ منـها المخـرجُ

ضاقت فلما استُحكمتْ حلقاتُها       فرجتْ ، وكنتُ أظنُها لا تُفرجُ

 

7 - الصبر على شظف العيش : فإن المؤمن الذي يتطلع إلى ما عند الله  يصبر على عسر الحياة ، ولا يشكو حاله إلا لربه، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه رضوان الله عليهن ، أسوة حسنة ، وهذه  عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها- تحكي أنه كان يمر الشهران الكاملان دون أن يوقَد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، وكانوا يعيشون على التمر والماء. ))17)

   كذلك فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما يحث اصحابه على الصبر ؛ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا الصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها , ثم لم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم ،  فقال تعالى : { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل .)( 18)

                                              

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz