مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

هجرة الادمغة العربية ..... الأسباب والنتائج

د . محمود طافش الشقيرات

 

    تعمل الإدارات التربوية الواعية للنهوض بمجتمعاتها من خلال تحقيق حزمة من الأهداف السامية التي من أبرزها ؛ إحداث تغيير إيجابي مرغوب فيه في سلوك المتعلمين وفي طرائق تفكيرهم ، وتضع الخطط لتزويد الأفراد بالقيم السامية، وتسليحهم بالمهارات الحياتية النافعة ؛ للوصول إلى اقتصاد المعرفة،. ومن أجل بلوغ هذه الأهداف السامية فإنها تضع الخطط الإستراتيجية الموثقة بمتهجية علمية لتربية أبنائها وتأهيلهم ليكونوا منتجين مبدعين ، وليحملوا على عواتقهم مسئولية تطوير بلادهم ، فبجهود العلماء العاملين تنهض الأمم وتزدهر الأوطان  , غير أن كثيرا من الإدارات التربوية العربية ليس لديها , الإدراك الكامل لجوهر التطور التربوي , فتراها تقتصر في خططها على محو الأمية الأبجدية ، وعلى محاولات التطوير الشكلي للكتب المدرسية ، وعلى تزويد بعض المدارس ببعض أجهزة الحاسوب دون وعي كاف بكيفية الاستفادة من هذه الأجهزة من خلال استراتيجيات التدريس المحوسب , وبذلك يكون حالها كمن يضع الحصان خلف العربة ، وهو يأمل في أن يحرز تقدما ، ولهذا يتسرب الخريجون المتفوقون الذين أنفقت مجتمعاتهم أموالا طائلة على تعليمهم من أوطانهم ، ويرتمون في أحضان المجتمعات الناهضة التي تحسن تقدير تفوقهم والاستفادة من قدراتهم .

    وتشير تقارير صدرت عن منظمة العمل العربية والأمم المتحدة إلى أن أكثر من مليون شخص عربي من حملة الشهادات العلمية العالية قد هجروا أوطانهم إلى الغرب , والى أن الأمة العربية تخسر سنوياً مالا يقل عن مائتي مليار دولار بسبب هذه الهجرة .

  ويستطيع الباحث المتابع لهذه المسألة أن يكتشف بسهولة ويسر وجود أعداد هائلة من المبدعين العرب الذين يعملون في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وغيرها .

    وهؤلاء المتفوقون فئتان ؛ فئة درست في بلادها بأموال مجتمعاتها فتميزت وأبدعت ، غير أنها لم تجد فرصة العمل التي تتناسب مع طموحاتها فهجرت أوطانها , وفئة أخرى لم تجد فرصة التعليم التي ترنو إليها في بلدانها ، فهجرتها بحثاً عن علم يشبع طموحها في الأقطار التي تجد فيها ضالتها , فدرست في تلك البلاد , وعملت فيها ، واستقرت على أراضها ، فكانت من دعائم نهضتها وتطورها .

   وتشير الدراسات التي أجريت حول هذه القضية ، ومن أشهرها كتاب معين قدومي الموسوم باسم "التخلف الشامل وهجرة الأدمغة العربية " ، إلى أن أهم الأسباب التي دفعت المتفوقين العرب إلى هجر أوطانهم ما يأتي:

1. الاضطرابات السياسية والحروب الطاحنة التي دارت وتدور رحاها في بعض الأقطار العربية ؛ مثل العراق والجزائر والسودان ولبنان وفلسطين , وتشير الإحصائيات إلى أن ما لا يقل عن (7350) عالماً عراقياً قد هجروا بلادهم بسبب الحرب التي دارت رحاها في ذلك الجزء من بلاد العرب ما بين 1991-1998 .

2.  تدخل السلطات السياسية في بعض الأقطار العربية لمنع نشر نتائج بحوث علمية يمكن أن تؤثر على استقرار الوضع السياسي السائد فيها.

3. تخلف المناهج الدراسية العربية ,والتقنيات التربوية،  واستراتيجيات التدريس والتقويم ، وعدم تأهيل المعلمين و الإداريين ، بحيث أصبح الكثير من المؤسسات التربوية العربية بيئات طاردة يتسرب منها المتفوقون .

4.  الإحباط واليأس من إمكانية الحصول على فرص التعليم المطلوبة للمتعلم،  أو العمل الذي يليق بالخريج المتفوق في وطنه ؛ بسبب ضعف الإمكانات ، أو عدم تكافؤ الفرص والمحسوبيات والوساطات .

5.  بعض وسائل الإعلام والمناهج الدراسية العربية التي تلعب دورا مهما في تزيين وطن الاغتراب في عيون المتفوقين من الشباب العربي .

6.  المؤسسات التربوية الأجنبية ومناهجها الدراسية التي تعمل على تشكيل شخصية المتعلم العربي في قالب غربي .

7.  سياسة القبول في الجامعات العربية تلعب دورا ملموسا في هجرة المتفوقين ، حيث يكون توزيع الاختصاص حسب المعدلات , وليس وفق الميول والاستعدادات ، مما يدفع بعض الطلبة ، وعلى وجه الخصوص،  المقتدرين منهم  إلى السفر بعيدا ؛ لدراسة التخصصات التي يرغبون في دراستها  .

8.  عدم تكافؤ الفرص في العديد من الأقطار العربية ، حيث تلعب المحسوبية دورا ملموسا في تقديم العنصر الأقل كفاءة ، مما يجعل الخريج المتفوق يهجر وطنه إلى حيث يجد من يحتضن مواهبه .

9.   الروتين وقلة الأموال المخصصة للبحث العلمي ، في حين أن مراكز البحث العلمي في البيئات الجاذبة لهذه الأدمغة تملك أموالا طائلة مقدمة من المصانع وشركات الأدوية وشركات البرمجيات وغيرها .

10.                      عدم وجود خطة إستراتيجية عربية للاستفادة من أفكار الشباب المبدعين .

11.       ضعف الأحوال الاقتصادية في الوطن العربي ، والمتمثلة في عدم وجود مصانع أو مزارع من شأنها أن تستقطب علماء الأمة .

        ويشير موسى الهادي ، في كتابه السياسات التعليمية في الوطن العربي ، إلى أن من أبرز أسباب هجرة العقول المتفتحة من الوطن العربي " وجود حالة اغتراب يعيشها كثير من الخريجين الجامعيين العرب ، والتي تتمثل في الانفصال الذي سببه غياب الانسجام بين ما يحملون من أفكار وتوجهات وآمال ، وما يعيشون من واقع مرير مليء بالتناقضات والأزمات التي يقف على رأسها اكتشافهم المتأخر لعدم وجود فرص عمل أحيانا لهم ، ولعدم حاجة مجتمعاتهم إلى تخصصاتهم بسبب سوء التخطيط  .

   ويؤكد هذه الحقيقة ما ذكره عالم الفضاء العربي فاروق الباز ، حيث سمعته من إحدى الفضائيات العربية يقول " أنه عندما تخرج في الجامعة أُرسل لتدريس العلوم في إحدى القرى النائية بسيناء ، وهكذا كان شرف الاستفادة من علمه من نصيب وكالة الفضاء الأمريكية التي اكتشفت تفوقه في أول مقابلة معه .

   وأما عن النتائج التي يمكن أن تترتب على هجرة الأدمغة العربية ؛ فإن من شأن استنزاف عقول أبناء الأمة أن يكرس تخلفها ويبقيها متأخرة عن اللحاق بركب الحضارة العالمية ، فتظل تعتمد على الآخرين في إشباع حاجاتها ، وهذا واحد من أبناء هذه الأمة المنكوبة يبكيها ، يقول محمود حامد مبديا أسفه على تسرب هذه العقول المتفوقة من أوطانها: " وهاهي ذي تصبح جزءا من نسيج بلاد العالم الآخر , لا تمت لنا إلا بصلة الذكريات والصور والملامح المزدوجة ... وهكذا نكون قد خسرنا أمة من الأفذاذ ، أطباء مهاجرون ، مهندسون مهاجرون ، علماء مهاجرون ، موفدون مهاجرون بعد أن كلفوا دولهم مبالغ طائلة طوال فترة إيفادهم ، ولدى تخرجهم آثروا البقاء في تلك الدول التي درسوا فيها ... وتستكمل الهجرة دائرتها المركبة حتى يأتي زمان تصبح فيه الأمية المعرفية الوطنية قاب قوسين أو أدنى من حافة المجهول القاتم والخطير "

    وأزيد هذه الصورة القاتمة وضوحا بمشهد آخر فأقول : أني رأيت أكثر من عامل عربي وافد من قطر عربي شقيق ، يحمل مؤهلا جامعيا عاليا ، يعمل في مسح السيارات على أبواب العمارات ، أو في غسل الأواني في المطاعم والفنادق ،  فإلى متى ستظل هذه الإدارات التربوية العربية التي توصف دائما بأنها رشيدة غائبة وغافلة عن هذه الحقيقة ؟

                                        مشرف تربوي بمدارس الحكمة والكرامة

                                                  sawahry@hotmail.com              

 

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz