الإشـراف التربوي الديمقراطي التعاوني .... أيـن نحن منه ؟

د. محمود طافش الشقيرات

   الإشراف التربوي الحديث ، عملية تعاونية يجري تنفيذها وفق منهجية عملية تقوم على خطة إستراتيجية ذات أهداف محددة ،وتقنيات حديثة ، واستراتجيات إشرافية وتقويمية مرنة ومتطورة ، وتهدف هـذه العملية إلى تحسين أداء المعلميـن لتحسـين تعلـم الطلبـة ....  فمـا هـو واقـع الإشـراف التربوي في العالم العربي ؟  وكيف السبيل لتطويره ليغدو إشرافاً تربوياً ديمقـراطيـاً تعاونياً بناءً ؟

       تشير الدراسات الآتي ذكرها والتي أجريت حول قضايا الإشراف التربوي فـي العالـم العـربـي إلى أن الكثير مـن المشـرفين التربـويين العـرب غيـر قـادريـن علــى النهوض بمهامهم الإشرافية على وجه مرضٍ ، فمـازال التفتيـش القائـم علـى تصيــَد الأخطاء سمة ظاهرة لدى الكثيرين منهم ، ويغلب على سلوك العديدين منهم نزعة فوقية تنفّر المعلميـن منهـم ، وقد\ أشارت الدراسات التي أجريت في بعض الأقطار العربيـة إلـى أن مـردود الإشـراف التربوي محدود ، وقد أظهرت دراسة قـام بهـا سـامي فواعرة ، إلـى أن دور المشرف التربوي يتصف بشـكل عـام  بالسـلبية والمباشـرة والشـرح والاستفسار بالحديث واللاودية والنقد وعدم الاستثمار .

      كما أظهرت دراسة قام   بها   محمد الرابي للحصول على درجة الماجستير من الجامعة الأردنيـة أن زيـارات المشـرفين التـربـويتين للمعلميـن قليلـة الفائـدة ، إذ أنً المداولة الإشرافية التي تلي الزيارة الصيفية ، يكاد الحوار فيها بين المشرف التربوي والمعلم أن يكون مغلقاً ، كما أن سـلوك المشـرف التربـوي أثنـاء تفاعلـه اللفظـي مـع المعلم يتم بالسطحية والسلبية .

       و توصل ناثر سارة إلى أن التقارير التي يكتبها المشرفون التربويـون حـول أداء المعلمين غير دقيقة ، وبعيدة عـن الممارسـات الديمقـراطيـة ، ولا تتسـم بالشـمول والموضوعية .

       كـذلك أشـارت الدراسة التي قام بها الباحث للحصـول علـى درجـة الماجستير بدولة الإمارات العربية المتحدة ، والتي شملت فئات من المعلمين القادمين من مصر والأردن وفلسطين والسودان وتونس ، إلى أن نسبة عالية من المشرفين التربويين يمارسون سلوك التفتيش والنزعة الفوقية أثناء تواصلهم مع المعلمين .

   وبناء على ما سبق ،  فإن واقع الإشراف التربوي في معظم أنحاء العالم العربي غيـر مـرضٍ،  ويحتـاج إلـى إعـادة نظـر فيـه لتقـويمـه ولتحسـين ممارسـاتـه . فما السـبيل إلـى ذلك ؟

    يقترح يعقوب نشوان القيام  بـحزمة من الخطوات أذكر منها :-

·       استحداث برامج جديدة للإدارة والإشراف التربوي .

·       إجراء دراسات تقويمية لواقع الإدارة المدرسية والإشراف التربوي .

·  عقد الندوات والدورات للمديرين والمشرفين التربويين من أجل ضمان نموهم المهني المستمر .

·  توفير النشرات التربوية التي تساعد المديرين والمشرفين على الاطـلاع علـى المستجدات التربوية .

·  تشجيع المديرين والمشرفين التربويين على إجراء البحوث الإجرائية للوقوف على مشكلات التعليم .

       وفيمـا يلـي مجموعة من الخطوات المقترحة التي تساعـد المعلم علـى وضـع إستراتيجية عمل تمكنه من بلوغ النجاح في عمله .

أولاً: يقـوم المشـرف التـربـوي بإجراء مداولات إشرافية قبلية فردية وجماعية ،مع جميع المشرفين التربويين الذين هم ضمن إطار خطته ،  حيث يجري فيها التعارف وكسر الحواجز التي قد تكون موجودة بينه وبينهم ، فيحرص أن يبدو إمامهم بمنزلة الأخ الذي يهمه نجاحهم وتميَزهم  ، ثم يطـرح علـى مسامعهم أفكاراً جديدة ، وتجارب تربوية ناضجة ، ويتحاور معهم حولها في جلسة عصف ذهني ، مصغياَ باهتمـام إلـى كل ما يطـرح من أفكار، مع الأخـذ بعين الاعتبـار التواصل معهم بإخاء وزمالة ، و اسـتبعاد النزعة الفوقية أثناء النقاش . 

ثانياَ : يقوم المشرف التربوي بزيارات صفية  للمعلمين ، مبتدئـاَ بالمسـتجديـن ، ويطلع على خططهم اليومية والفصلية ، وأوراق العمل ، وأدوات التقـويـم التـي يعدونها ؛ للتعرف على حاجاتهم ، كما يطلع على إعمال الطلبة الكتابية وعلى الأنشطة التي يقومون بها ؛ لتقييم مستوياتهم .

ثـالثـاَ: إجراء مداولات بعدية لمناقشة كل معلم بما رأى أو سمع في الموقف الصفيّ لتعزيـز الإيجابيـات ولتخليصه مـن السـلبيات إن وجـدت ، ويتفقـان علـى أسـس تطوير المشاهدات ، والأعمال التي قام بها المعلم والمتعلمون .

رابعـاً: وعلى ضوء ذلك يقوم المشـرف التربـوي بوضـع خطتـه الإشـرافية التـي تغطي جميع المجالات التي هي في حدود مهامه و صلاحياته ومن أبرزها في مجال المعلمين : -

أ‌- تحـديـد عـدد الـزيـارات التـي سـيقوم بـها  لكـل معلـم للتعـرف على حاجاته وتحسـين أدائـه .

ب – التعـاون مـع المعلميـن لتحســين أدائهـم مـن خـلال واحــدة أو أكثــر مـن الاسـتراتجيـات الآتيـة : التعليـم المصغـر،الإشـراف الإكلينيكـي ، تبـادل الـزيـارات ، الــدروس التطبيقيـة ، ورش العمــل ، البحـوث الإجـرائيــة  التعـاونيـة ، النشـرات الإشرافية ، وغير ذلك .

ج – إعداد نشرات إشرافية وتوزيعها عليهم بهدف توعيتهم وتحسين أدائهم .

د – تنفيذ ورش عمل من شأنه تنمية كفاياتهم العملية .

 هـ- توظيف أدوات التعزيز لتشجيع المعلمين على إتقان أعمالهم وصولاً بالطلبة إلى مرحلة التميُز والإبداع .

و- تقويم أعمال المعلمين  بموضوعية وشفافية تقويماَ شـاملاَ منُزّهـاَ عـن المـزاجيـة ،  ومستبعداً أثريّ، الهالة والثورنة ، مع ملاحظة أن تكون تقاريره عن المعلمين حافزة  وليست مثبطة ، وذلك بأن يبدأ بذكر الإيجابيات جميعها وأن يقتصر على ذكر عدد  محدود جداَ من السلبيات على أن يناقش المعلمين بالسلبيات الأخرى شفوياً وبـود .

ز - ومن مهام المشرف التربوي كذلك ، تدريب المعلمين على توظيف إستراتيجيات التعليم الحديثة ، ومسـاعـدتهم علـى تطـويـر أوراقهـم  الاختبارية وغيرها من أدوات التقويم الواقعي ، وأوراق العمل التي يعدونها ، ثم تحليل وتفسـير نتائجهـا ، ووضع الخطط العلاجية اللازمة لتخليص الطلبة من جوانب الضعف لديهم .

ح – مساعدتهم على اختيار الكتب والمواد التعليمية المساندة للمنهاج الدراسي ، والتي من شأنها أن تعزز تعلم الطلبة .

   والمشرف التربوي الذي نتطلع إلى وجود هو ذلك القـائـد التـربـوي المتعاون ، الـذي يسـهم فـي تطوير المناهج الدراسـية ، واسـتراتجيات التدريـس والتقــويـم ، ويعمـل لتحسـين أداء المعلمين من خـلال تطويـر خططهم وإسـتراتجياتهم وأدوات تقويمهم ليحسـنوا تعليـم طلبتهـم ، ويتعاون مع المعلمين لتشخيص مواضيع الضعف لـدى الطلبـة المتأخـريـن ، ووضـع الخطط العلاجية لتحسين تعلمهم ، ويعتني بالطلبة الموهوبين فيرعي مواهبهم وصولاً بهم إلى مرحلة التميَز والإبداع .