مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

المنهج المدرسي التقليدي ....وآثاره السلبية على المعلمين والمتعلمين .

محمود طافش الشقيرات

  ما زال اصطلاح المنهج المدرسي يستخدم في معظم أنحاء العالم العربي ليدل على المعارف والنظريات التي ينبغي أن يدرسها التلاميذ في المواد الدراسية المقررة عليهم , حيث ينصب الاهتمام على الناحية الذهنية للتلميذ , فيكون الهدف المعرفي أو اتقان المادة الدراسية هو محط العناية الأول والذي قلما تجاوزته الاهتمامات إلى أهداف اجتماعية أو انفعالية .. وقد أثبتت البحوث أن هذا الطرح خاطئ ومرفوض .

إن منهج المادة الدراسية قد عفا عليه الزمان في معظم البلدان المتقدمة تربويا بسبب قلة فائدته العملية , ولما له من آثار سلبية على نفسيات المتعلمين والتي تؤدي بهم في كثير من الأحيان إلى كراهية المدرسة والمدرسين .

منهج عقيم :

 ولعله من المفيد هنا , أن نشير إلى أهم الأسباب التي حدت بالتربويين إلى أن يتخطوا منهج المواد الدراسية التقليدي, ويستعيضوا عنه بالمنهج المدرسي الحديث , ومن أبرز هذه الأسباب :

1- أنه يهتم فقط بالناحية الذهنية للتلاميذ ويهمل ما عداها من نواحي اجتماعية ووجدانية وجسمية , بل ويلغي أي نشاط قد يعرقل هدفه المتمثل في إتقان المادة الدراسية .

2- أنه يهمل اهتمامات التلاميذ وميولهم ورغباتهم , ولا يراعي الفروق الفردية بينهم في الاستعدادات والقدرات والحاجات , أضف إلى ذلك أنه يقيد حرية التلاميذ , ويرغمهم على قبول المادة الدراسية المقررة , حتى ولو كانت تتعارض مع ميولهم .

3- أنه يهتم بإعداد التلاميذ للامتحان أكثر من اهتمامه بإعدادهم للحياة .

4- وفيما يتعلق بواضعي المادة الدراسية فإن هؤلاء يهتمون بمادتهم اهتماما زائدا , الأمر الذي أدى إلى ازدحام المنهج بالمواد الدراسية التي أثقلت كاهل المتعلمين وجعلتهم ينفرون من المدرسة , وينتظرون العطلات الرسمية بفارغ الصبر .

 

آثاره السلبية على التلاميذ :

  إن المنهج المدرسي بمفهومه الضيق , السالف الذكر يترك آثارا سيئة على كافة مجالات الحياة المدرسية , وحيث إنه يهمل قدرات التلاميذ واستعداداتهم ولا يأخذ ميولهم ورغباتهم بعين الاعتبار , فقد أدى ذلك إلى عزوفهم عن تلقي العلم .

  كذلك فإن الهدف المتمثل في إتقان المادة الدراسية يفرض على التلاميذ أن يستقروا هادئين على مقاعدهم , الأمر الذي يعطل عملية التفاعل الصفي بين المعلم وتلاميذه , ثم إن كتم أنفاس التلاميذ وتقييدهم في أماكنهم والحيلولة دونهم ودون الحركة يرهق أعصابهم , ويشتت انتباههم , الأمر الذي يجعل وقت الحصة طويلا ثقيلا في نظرهم , فما يكادون يسمعون صوت الجرس مؤذنا بانتهاء الحصة أو انتهاء اليوم الدراسي حتى تتهلل وجوههم بالبشر والسرور فينطلقوا من أماكنهم فرحين مسرورين صائحين بأعلى أصواتهم .

 وحيث إن المعلمين والمتعلمين والمسئولين يركزون اهتمامهم على المادة الدراسية وإتقانها , وعلى النجاح في الامتحان , لذلك فإن التلميذ يرهق نفسه في حفظ المادة الدراسية عن ظهر قلب ليحصل على النجاح , فإن هذا النجاح غالبا ما يترك آثارا سلبية على صحة التلميذ الذي بالغ في السهر والاستعداد من أجل الامتحان .

   أما التلميذ الذي لم يشأ أن يجهد نفسه في سبيل إتقان المادة الدراسية , فإنه ينظر إليه كمهمل ومقصر , فيترك ذلك على نفسيته آثارا سيئة قد تسبب له الفشل في مستقبل حياته .

    وفي منهج المادة الدراسية ,  يهتم المعلمون بتلقين الطلاب المعلومات من أجل الامتحانات , دون الاهتمام بربط هذه المعلومات بحياة التلاميذ العملية ليكتسبوا خبرات تساعدهم على الاستفادة من موضوعات المادة الدراسية في اتخاذ قرارات سليمة , لمواجهة مواقف حياتية , ستواجههم حتما في المستقبل .

   وحيث إن المنهج المدرسي التقليدي يهمل رغبات التلاميذ , فإنه يفرض عليهم موضوع المادة فرضا , سواء ألقي ذلك الموضوع عندهم قبولا أم لم يلاق .. ومن يقبل الفرض ويفلح في حفظ المادة , فهو النجيب المجلي , وأما من يعجز عن ذلك , فسيجبر عليه إجبارا بأنواع العقاب المختلفة ومنها الضرب وقد يرسب في صفه .

   ومن ناحية أخرى , فإن عدم التنسيق بين واضعي المواد المختلفة , واهتمام كل فريق بمادته دون الالتفاف إلى المواد الأخرى , أدى إلى انقطاع الصلة بين هذه المواد , الأمر الذي يعود بالضرورة إلى تجزئة خبرات التلاميذ , وبالتالي إلى عدم استفادتهم من هذه الخبرات في المواقف الحياتية التي سيمرون بها .

    وحيث إن إتقان التلميذ للمادة الدراسية , لا يكون _ في معظم الأحيان _ من أجل الاستفادة منها في حياته العملية , وإنما من أجل النجاح في الامتحان والحصول على شهادة , بكافة الوسائل المشروعة _ كالحفظ دون فهم _ وغير مشروعة _ كالغش فقد أصبح اهتمام المعلم منصبا على ضرورة إتقان التلاميذ لهذه المادة الدراسية , دون اهتمام يذكر بالقيمة العملية للمعلومات التي تضمنتها .

    لذلك فقد أصبح القائمون على مثل هذه العملية التعليمة العقيمة , مقتنعين بأن المعلم الناجح هو الذي يقتصر في عمله على تلقين التلاميذ معلومات معينة , من أجل الحصول على نسبة نجاح عالية , وعليه إن أراد السلامة لنفسه , والمحافظة على مورد رزقه , أن لا يتخطى هذه الحدود وأن لا يقترب من وجدان المتعلم لأنه سيمتحن بالمعلومات المجردة بأسئلة تقيس مدى حفظه , ويندر أن يتعرض لأسئلة تقيس مدى قدرته على التفكير، ومدى فهمه للمسائل والقضايا العملية المحيطة به ، ومن هنا فقد احتدم التنافس على الحفظ بين الطلاب , وتراجعت الرغبة في التعاون بينهم على فهم المظاهر الحياتية , واتخاذ مواقف سليمة بصددها .

  وما دام النجاح في الامتحان هو الهدف , فقد أصبح المعلمون مشغولين بتخليص المادة للطلاب , ومطالبتهم بحفظ هذا الملخص عن ظهر قلب . وزادوا على ذلك أن اقترحوا أسئلة متوقعة , وأجابوا لهم عليها إجابات مختصرة , وطالبوهم بحفظها , فتسابق الطلاب لحفظ هذه الاجابات , وربما فكر بعضهم بالاحتفاظ بها في جيبه , فلعله يستطيع أن ينقل عنها أثناء الامتحان ، ومن هنا , فقد أصبح الطلاب يعتمدون على معلميهم في كل ما يتعلق بالمادة وبالامتحان وفقدوا ايجابية الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية .

   أضف إلى ذلك أن انشغال المعلمين والمتعلمين , بتلخيص وحفظ المواد الدراسية من أجل اجتياز الامتحان  الذي أصبح الهدف الذي لا هدف قبله  ولا هدف بعده سوى البحث عن وظيفة مكتبية بعد التخرج .. هذا الانشغال أفقد المعلمين فرصة التعرف على ميول طلابهم  لتوجيههم الوجهة التي تلائم رغباتهم , والتي تساعدهم على النجاح في الامتحان ليتحولوا إلى أفراد بيروقراطيين .

  والمعلم الناجح في نظر أنصار مذهب المواد الدراسية والقائمين عليه , هو ذلك الذي يفلح في أن يجعل طلابه يحفظون أكبر قدر ممكن من المادة الدراسية المقررة عليهم , بغض النظر عن مدى استفادتهم الواقعية منها , وهو الذي يفلح في تكميم أفواه تلاميذه , والمحافظة على الهدوء في الصف بحيث ( إذا سقطت إبرة سمعت رنينها) ، وهو الذي يحصل تلاميذه على نسبة نجاح عالية في الامتحانات النهائية .

 إن هذا النمط من المعلمين الذين يهتمون بالمظاهر , ويؤثرون السلامة أثناء تعاملهم مع المشرف التربوي ومع تلاميذهم , لا يحبذون فكرة التفاعل الصفي القائم على الديمقراطية في الحوار غير المباشر , ولكي يتحقق لهم ذلك , فإنهم يميلون للسيطرة على التلاميذ , وكتم أنفاسهم وكبت عواطفهم , فلا يأذنون لهم بحركة , ولا يسمحون لهم بإبداء رأي , ولا يتورع بعضهم عن معاقبة التلميذ , إذا حاول التمرد , أو مخالفتهم في الرأي , الأمر الذي يورثه الخوف والخضوع وضعف الشخصية .

  ومن ناحية أخرى فإن المشرف التربوي التقليدي الذي يتردد على المدرسة _ غالبا _ لا يأتي من أجل أن يلمس مدى نمو قدرات التلاميذ على حل المشكلات , أو اقتراح حلول مناسبة لها , ثم اتخاذ قرارات لمواجهتها , وإنما يأتي ليتعرف على مدى اتقان التلاميذ للمادة الدراسية , وليتأكد من أن المعلم يسير وفق الخطة السنوية الموضوعة لإتمام المنهج في الوقت المحدد , ثم ليصدر حكمه على المعلم وفق المعيارين السابقين , واعتبارات هامشية أخرى . ومن هذا المنطلق , لا يكون حكمه سليما إذ قد يفوز ( الملقن ) ويفشل المعلم .

  نخلص مما سبق إلى أن  التركيز على منهج المواد الدراسية التقليدي أمر مرفوض , لأنه يهتم في مجمله بالناحية الذهنية لتلميذ , ويهمل ما عداها من جوانب اجتماعية وانفعالية وجمالية . لذلك ينبغي أن ننظر بعين الاعتبار إلى التغيرات التي حصلت , وتحصل في أحوال المجتمعات الحديثة وأساليب الحياة فيها , كما ينبغي أن نعي الدور الفعال الذي أصبح للمدرسة , وذلك بناء على ما أثبتته الدراسات والبحوث الحديثة في علم النفس التربوي , خصوصا فيما يتعلق بخصائص نمو الأطفال وحاجاتهم وميولهم واستعداداتهم وقدراتهم . وبناء على ما حصل من تطور في مفهوم وطبيعة العملية التعليمية التعلمية .

  ومن هذا المنطلق , يجب أن ينتهي هذا المفهوم الضيق للمنهج المدرسي , وأن يستعاض عنه بمنهج أوسع وأشمل , هو المنهج المدرسي الحديث الذي يهتم بكل مكونات نفس التلميذ ويؤدي إلى تعليم بناء ومثمر .

·        نشر في جريدة الخليج الإماراتية يوم 14تشرين ثاني 1984م

 

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz