التفوق العقلي لدى الطفل .. هل هو فطري أم مكتسب ؟

د. محمود طافش الشقيرات

   تولي المؤسسات التربوية ذات الإستراتيجة الواضحة والرؤية العميقة موضوع الأطفال المتفوقين عناية خاصة ، فتعمل باستمرار للكشف عن هؤلاء المتفوقين ووضع الخطط لتنمية  تفوقهم ورعاية مواهبهم ، ومن ثم استثمارهم في بناء المجتمع وتطويره اقتصاديا واجتماعيا . فما المقصود بالتفوق العقلي ؟ وهل هو وراثي أم مكتسب ؟ وما هي أبرز مجالاته ؟

   تعددت تعريفات التفوق العقلي وتباينت نظرا لاختلاف المحكات المستخدمة في قياسه والتي من أبرزها ؛ الدرجات التي يحصل عليها الطفل من خلال اختبارات الذكاء ، والاختبارات الابتكارية والاختبارات التحصيلية المقننة ، وسمات الشخصية ، والسجلات المدرسية ، ومقاييس تقدير السلوك ، وتقديرات المعلمين والآباء وغير ذلك ، وهذا ما أشار إليه "دير " حين قال " إن صعوبة وضع تعريف جامع مانع لمفهوم التفوق العقلي يرجع إلى تعدد مجالاته ومحكاته ."  لكن بوجه عام يمكن القول أن التفوق العقلي :" مفهوم يبرز التميز في جانب من الجوانب العقلية المعرفية ، ويعبر عن ارتفاع غير عادي في القدرات العقلية العامة ."

   وتعرف " الجمعية الأمريكية للتربية " المتفوق عقليا بأنه :" من استطاع أن يحقق باستمرار تحصيلا مرموقا في مجال من المجالات التي تحظى بتقدير الجماعة ، وذلك باستخدام الاختبارات التحصيلية المقننة ."  ويرى آخرون أن المتفوق عقليا هو من تجاوز معدل ذكائه 135 باستخدام اختبارات الذكاء ."

   ويشترط آخرون أن يتميز الإنسان المتفوق بمستوى عال من الاستعدادات الخاصة مثل ؛ الاستعداد العلمي أو اللغوي ، أو القيادة ، إضافة إلى مستوى عال من القدرة على التفكير الابتكاري .  وأشارت دراسات عديدة من أبرزها دراسة لويس تيرمان( 1921) إلى أن خريطة الجينات الوراثية تلعب دورا ملموسا في تحديد الإطار الذي تعمل به المؤثرات التربوية ، لأنها الأساس الذي تبنى عليه كل الجهود في البيت والمدرسة .

  وتتكاتف العوامل الوراثية والتربوية لتحديد مستوى التفوق بنسب متفاوته وذلك بالنظر إلى الظروف المحيطة .

   و يرى " سيدني ماريلاند" أن  من أبرز مجالات التفوق العقلي : 

- القدرة العقلة العامة ، ويمكن التعرف عليها من خلال الخصائص السلوكية مثل ؛ القدرة على استخدام مفردات لغوية ذات مستويات عالية من التجريد والمعنى ، وسعة المعلومات التي يوظفها المتفوق في حديثه ، إضافة إلى قدرته على استخدام المفاهيم المجردة بكفاءة عالية .

- الموهبة والاستعداد الأكاديمي الخاص الذي يبرز لدى المتفوق من خلال الدرجات التي يحصل عليها في اختبارات الاستعداد والاختبارات التحصيلية في مواد معينة مثل الرياضيات واللغة .

- التفكير الابتكاري المتمثل في توليد أفكار جديدة .

- القيادة والقدرة على توجيه الآخرين لتحقيق هدف محدد، ومن أبرز مظاهرها ؛ الثقة بالنفس ، التعاون ، وحل المشكلات ، ومقاومة الإحباط .

- القدرة النفسحركية المتمثلة في إنجاز الأعمال بمهارة عالية ،

-  القدرات الفنية ، كالعزف والتمثيل والرسم والخطابة والشعر وغير ذلك .

- الإدارة العقلية للذات والمتمثلة في التكيف مع الظروف الطارئة وتذليلها وإعادة تشكيلها لتكون ملائمة لمواصلة العمل .

    وقد أشارت العديد من الدراسات الأخرى مثل دراسة (جنسن ) إلى أن للعوامل الوراثية دورا في وجود ظاهرة التفوق بنسبة 80 بالمئة ، في حين أن للعوامل البيئية 20 بالمئة فقط ، ومع ذلك فإن البيئة هي التي تلعب الدور الأكبر في ترجمة الذكاء المرتفع إلى أداء مميز .

    كذلك فقد أظهرت دراسة "تيرمان"  إلى أنه إذا وجد طفل متفوق في الأسرة فإن الاحتمال وارد بنسبة عالية أن يكون أخوته أو بعضهم من المتفوقين . وهذه النتائح تشير بوضوح إلى أن الوراثة هي أساس التفوق ، ثم تلعب البيئة المنزلية والمدرسية دورا مهما في تنميته وصقله .

sawahry@hotmail.com