الصغار الذين لا يكبرون

د. محمود طافش الشقيرات

    للألفاظ في لغتنا العربية الجميلة معانٍ وإيحاءات ودلالات عديدة ومفيدة ، تهبها وضوحا وتكسوها بهاء ، فعلى سبيل المثال ، فإن كلمة صغير توحي بالضعف والعجز والهوان ، ويقابلها في المعنى كلمة كبير التي توحي بالشموخ والعظمة والوقار . .

    وصغير الأسد ـ على سبيل المثال ـ يكون شبلا ضعيفا عاجزا عن كسب قوته ،فإذا كبر واشتد عوده غدا سبعا هصورا مفترسا . أما صغير الإنسان فهو طفل واهن يعتمد على والديه في إشباع كل حاجاته ، وتنظيفه من فضلاته حتى يكبر ويصبح رجلا .

  والرجولة كلمة لا يتوقف معناها عند الكبر ، وإنما هي سمة توحي بالعديد من الصفات والمزايا الحميدة ومكارم الأخلاق ؛ كالعدل والإقدام والكرم  ، وتمتد لتشمل معاني التضحية والفداء والإيثار ، ومن صفات الرجل الكبير حفظ اللسان عن البذاءة ، والعطاء والوفاء بالعهد ،وحب الخير للناس ،  والترفع عن الدنايا ، وصغائر الأمور .

   أما في قول العرب : " المرء بأصغريه " فمعناه أن المرء يعلو الأمور ويضبطها بلسانه وجنانه . وأما ما ورد في الحديث الشريف : " تصاغر الشيطان حتى صار كالذباب " فهو لإبراز مدى الإهانة التي لحقت به ، والتصغير في مثل هذا السياق يفيد التحقير والتقليل من الشأن .

   والصغار عادة يكبرون إلا أن يموتوا ، أو يكون هناك خلل في جينات النمو لديهم ،  فنرى رجالا صغارا في أحجامهم ، وفي كثير من الحالات هؤلاء الصغار يكبرون إذا وجدوا علاجا ، أو يسمون بأخلاقهم وفعالهم .

  وفي بعض بلاد العرب رأينا طفلا صغيرا يواجه بحجره الصغير جنديا محتلا مدججا بسلاحه ، فكبر ذلك الطفل في لحظة واحدة حتى صار بطلا يستأثر بقسط وافر من اهتمام  وسائل الإعلام .

    أما الصغار الذين لا يكبرون من بني آدم ؛ فهم أولئك الذين تجاوزوا الخمسين أو الستين من أعمارهم ، وما زالت ألسنتهم تنضح بالألفاظ البذيئة ، وأعينهم تتبع عورات الناس وسقطاتهم ، وهم يجدون في ذلك متعة تغمر قلوبهم السوداء بالأحقاد ، أولئك الناس لن يكبروا أبدا مهما امتد بهم العمر ،ومهما تضخمت أجسامهم ؛  لأن الناس إنما يكبرون بفعالهم الماجدة ، ويسمون بأخلاقهم الفاضلة ، وهكذا يفوزون بحب الناس واحترامهم لهم ، فطوبى لهؤلاء وحسن مآب.

     ورحم الله أمير الشعراء إذ قال :

   صلاح أمرك للأخـلاق مرجعه      فقوّم النفـس بالأخـلاق تستقمِ

   والنفس من خيرها في خير عافيةٍ    والنفس من شرها في مرتع وخمِ

sawahry@hotmail.com