مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

الدروس الخصوصية ... بين الرفض والقبول

د . محمود طافش الشقيرات

  تباينت آراء أولياء الأمور حول الدروس الخصوصية ، فمنهم من يرى أنها مهمة لتعزيز تفوق أبنائهم ، ومنهم من يرفضها بحجة أن  الدولة تعدّ المعلم وتؤهله للنهوض بالمجتمع من خلال  تعليم أبنائه التفكير، وتسليحهم بالقيم السامية ، وتدريبهم على القيام بما يُعهد إليهم من أعمال بمهارة ،غير أن بعض المعلمين يعتبرون مهنة التعليم وسيلة لجمع المال ، وليس لهم همّ إلا أن ينتظروا آخر الشهر ليقبضوا رواتبهم .

    ولم يتوقف الأمر عند بعضهم عند هذا الحد ، وإنما انطلقوا يبحثون عن أعمال إضافية تجلب لهم المزيد من المال ؛ وهم يفعلون ذلك بحجة أن رواتبهم لا تكفيهم ، فمنهم من عمل في محل تجارة ، ومنهم من عمل سائق سيارة أجرة ، ومنهم من اختار أن يظل في مجال تخصصه ، لكنه يستغل ما يتبقى من وقته في إعطاء دروس خصوصية في بيته ، أو في بيوت تلاميذه ، مقابل أجر مادي يتفق عليه ، ومنهم من يقبل على هذه الدروس بنهم لدرجة أنه ينفق في سبيل ذلك معظم ساعات يومه . فما المقصود بالدروس الخصوصية ؟ وما هي أبرز إيجابياتها وأخطر سلبياتها ؟

   تعرف الـدروس الخصوصية بأنها " كل الخدمات التي يقدمها المعلم للطالب خارج أبنية المدرسة بصورة مكررة ومنظمة مقابل مردود مادي ."  وهي معروفة منذ أقدم العصور ، إذ كان الملوك والخلفاء والأمراء وغيرهم من الأثرياء يستقدمون المعلمين إلى قصورهم ؛ ليحصلوا على تعليم مميزُ لأبنائهم من جهة ، ولكي لا يختلطوا بأبناء العامة فيكتسبوا منهم بعض الصفات المذمومة أو الكلمات البذيئة من جهة ثانية ، ومن ذلك ما فعله هارون الرشيد حين استقدم الكسائي لتعليم ولديه الأمين والمأمون .

    لكن هذه المسألة قد تضخمت حتى غدت مشكلة تربوية خطيرة تؤرق بعض المسئولين ؛ فقد أشار الأستاذ الدكتور مجدي عزيز إبراهيم في كتابه " قضايا تربوية وتعليمية معاصرة " إلى أن الدراسات التي أجريت في مصر حول ظاهرة الدروس الخصوصية قد أظهرت أن 80% من مجموع الطلبة في مصر يتلقون دروساً خصوصية .

    ويفرض شرف المهنة على المعلم أن يؤدي عمله بإتقان ، وأن يبذل قصارى جهده لتعليم تلاميذه التفكير ؛ ليحدث تغييراً مرغوباً في سلوكهم وفي طرائق تفكيرهم ، فهو يراعي الفروق الفردية بينهم ، ويعزّز تميّز المتفوقين ؛ ليصل بهم إلى الإبداع ، وينهض بالمتوسطين ، ويشخص ضعف المقصرين ليخلصهم من مظاهر ضعفهم ، وهو يفعل ذلك بإخلاص من غير أن يتوقع حمداً أو شكراً . لكن البعض يتساهل في  أداء واجبه و يتقاعس في عمله ، لكي لا يفهم طلابه المادة الدراسية ، فيضطرهم إلى دروس التقوية أو إلى الدروس الخصوصية مقابل مبلغ من المال يتفق معهم عليه ، ومنهم من يعزّز إقبال الذين يأخذون دروساً خصوصية عنده بالدرجات ؛ ليستقطب الطلاب الآخرين ،  فإذا أفاضت عليه الدروس الخصوصية مالاً ، فكّر في أن يتوسع في عمله ، فيهجر بيته ويستأجر مكاناً خاصاً يمارس فيه فعل الدروس الخصوصية ، ومنهم من لا يتورع عن أن يقول لتلاميذه:" لا تسمعوا للمعلم في المدرسة ..... انسوا كل ما يقوله لكم  .. ناموا في الحصة ، لأن دروسي الخصوصية هي التي ستكفل لكم النجاح والتفوق ."  

  ومن المعلمين من كسب خلال هذه التجارة على أموال وافرة ؛ فقد تناقلت وكالات الأنباء أن معلما خصوصيا في أحد الأقطار العربية قد دفع لضريبة الدخل مبلغا يقدر بعشرات الآلاف من الدولارات ، وذلك مقابل ما يكسبه بالدروس الخصوصية .

  وطالب الدروس الخصوصية قد يتغيب عن المدرسة ، وقد ينشغل بالعبث داخل الحصة ، وربما يثير مشكلة مع معلمه في الصف ؛ لأنه يعتقد بأن حصته لدى المعلم الخصوصي تكفيه .

    وقد ترعرعت هذه الدروس الخصوصية في بعض الأقطار العربية  لعدة أسباب من أبرزها :

ـ تدني مستوى التعليم الرسمي بسبب ضعف إعداد المعلمين إعداداً تربوياً سليماً .

- ضعف المستوى الأدائي لبعض المعلمين .

- طرق التدريس التقليدية التي تقوم على التلقين وعلى الحفظ .

- كثرة أعباء المدرس مما يحول بينه وبين الاهتمام بالطلبة الضعاف .

ـ قلة رواتب المعلمين والتي لم تعد كافية لسد احتياجاتهم الرئيسية.

ـ نقص المعلمين في بعض التخصصات مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية والاستعانة بعناصر غير مؤهلة تربوياً كأن يدرس المهندسون الرياضيات أو الفيزياء.

ـ ازدحام الصفوف بالطلبة .

ـ عدم كفاية المدارس والعمل بنظام الفترتين .

- وجود فئة من المعلمين يهددون الطلبة بالدرجات إذا لم يتلقوا عندهم دروساً

خصوصية .

- شروط القبول في التعليم العالي تدفع بعض الطلبة لتلقي دروس خصوصية رغبة منهم في رفع معدلاتهم .

   وهناك أسباب تتعلق بشخصية الطالب نفسه منها :

- عدم ميله لدراسة مادة أو أكثر من المواد المقررة عليه .

- كثرة غيابه عن المدرسة ، وعدم مواظبته على الدوام المدرسي .

- اهتمامه بالنشاطات على حساب المواد الدراسية .

- وجود مشكلات أسرية تحول دون حصوله على التحصيل العلمي المناسب ، مثل الخصومات بين الوالدين ، أو ازدحام المنزل بالأبناء .

- ضعف العلاقة بين الطالب وبعض مدرسيه .

- شدة الخوف من الامتحانات .

إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالأسرة مثل :

ـ ضعف رقابة الأسرة لأبنائها مما جعلهم يهملون دروسهم  .

ـ رغبة ولى الأمر في أن يكون أبناؤه من المتفوقين .

ـ عدم وجود وقت لدي ولي الأمر لمتابعة أبنائه دراسياً ، فيعهد بهذه المهمة إلى المعلم الخصوصي .

ـ قلق بعض أولياء الأمور على مستقبل أبنائهم ؛ مما يدفعهم لإجبارهم على أخذ دروس خصوصية .

     والحقيقة المؤكدة التي توصل إليها الدارسون لهذه القضية هي أنه يترتب عليها العديد من الآثار المخربة للعملية التربوية ، ومن أبرز هذه المضار أن الدروس الخصوصية أصبحت :

ـ تشكل عبئاً مادياً يثقل كواهل الآباء .

ـ تعوّد التلميذ على التواكل والاعتماد على الآخرين . 

ـ تشتت وقت الطالب بين المدرسة ومكان الدروس.

ـ تفقد التلميذ فرصة قيمة تتعلق ببناء شخصيته التي يكتسبها من خلال أنماط التفاعل الصفي .

ـ يتجاهل التلميذ المقرر الدراسي ، ويعتمد على المذكرات التي يصدرها معلموه الخصوصيون .

   ورغم ذلك كله فإن للدروس الخصوصية بعض الفوائد من أبرزها :

- قد يحتاج طالب خدمات المعلم الخصوصي لتعزيز تفوقه في تخصص يميل إليه .

- وقد يحتاج إليها آخر لعلاج ضعف يعاني منه ، ويحول دون تقدمه في دراسته .؛ كأن يكون منقولا من مدرسة لا تُدرس فيها اللغة الأجنبية مثلا ، فيلجأ إلى المعلم الخصوصي ليساعده في إشباع هذه الحاجة  .

- وفي أحيان كثيرة تكون الفروق الفردية بين الطلبة عاملا مهما في استدعاء المعلم الخصوصي

- ويلعب حرص بعض الآباء على تميز أبنائهم دورا مهما في بروز الحاجة إلى الدروس الخصوصية .

- تولد الثقة وتخفف من درجة التوتر أثناء تقديم الامتحانات .

-  وفيها تعويض للخلل الناجم  عن نقص المعلمين في بعض المدارس أو ضعف أدائهم .

- وتعويض الطلاب الغائبين عما فاتهم .

- تساعد على تحسين نتيجة المدرسة في امتحان الثانوية العامة .

- تساعد على تحسين الوضع المالي للمعلم المحتاج.

- وتساعد على توثيق العلاقة بين المعلم الخصوصي وتلميذه .

- كما تساعد بعض التلاميذ الضعاف على التخلص من ضعفهم في بعض المواد الدراسية .

    غير أن سلبيات الدروس الخصوصية كثيرة ، ومن أشدها خطورة ما يأتي :

1-   تساعد على عدم انتظام بعض الطلبة في صفوفهم بسبب اعتمادهم على الدروس الخصوصية .

2-   اعتماد بعض الطلبة على الدروس الخصوصية قد يؤدي إلى عدم اهتمامهم بالتفاعل الصفي اللازم لبناء شخصياتهم .

3-   استنزاف الكثير من وقت الطالب في الذهاب والإياب إلى مكان الدروس الخصوصية .

4-    ترهق المعلم وتحط من كرامته ، وتجعله يهمل في عمله الأساسي ليدخر جهده للدروس الخصوصية .

5-   ترهق الكثير من أولياء الأمور مادياً .

ولكي نحد من تنامي هذه المشكلة فإن الباحثين التربويين  يقترحون القيام  بما يأتي :

ـ أن تقوم إدارة المدرسة بتنظيم دروس تقوية للطلبة المحتاجين إلى ذلك ، مقابل رسوم رمزية تدفع للمعلمين المميزين الذين تختارهم المدرسة للقيام بهذه المهمة .

ـ أن تقوم إدارة المدرسة بمنع المعلمين من إعطاء دروس خصوصية ؛ لأنها تقلل من هيبتهم في عيون طلابهم ، ومن لا يستجيب للتعليمات فإنها تقوم بالتحقيق معه وإيقاع العقوبة المناسبة بحقه .

ـ تقديم حوافز وعلاوات مادية للمعلمين المتميزين في أعمالهم والملتزمين بعدم إعطاء دروس خصوصية ..

ـ تدريب المعلمين على توظيف استراتيجيات التدريس والتقويم الحديثة ، وتطوير نظام الاختبارات لتقيس قدرة الطالب على التفكير ، وليس حفظه للمعلومات .

ـ اعتماد العمر العقلي للقبول في المدرسة بحيث يكون جميع الأطفال قادرين على التعلم دون تعثر.

  ـ حث أولياء الأمور على التعاون مع المدرسة في جهودها الرامية إلى مكافحة الدروس الخصوصية ، وذلك بسبب سلبياتها المتعددة ، وإذا اضطر ولي الأمر إلى أن يستعين بمدرس خصوصي فإن عليه أن يتأكد  من أن ولده يستفيد من هذه الدروس وأن مستواه العلمي يتحسن. ومن المفيد لولي الأمر أن يكون على تواصل دائم مع المدرسة ، للتباحث معها في أفضل السبل التي من شأنها أن تساعد على تحسين تعلم ولده .

  وتبقى الحقيقة الناصعة متمثلة في أن التعليم المنظم والمتكامل الذي تقدمه المدرسة لاغني عنه للطالب؛ إذ أن تضخم التراث الثقافي والتفجر المعرفي الهائل جعل من المستحيل أن ينهض به معلم بمفرده مهما بلغت كفاياته  وقدراته ،  فإن العملية التعليمية التعلمية ليست مجرد مفاهيم ومصطلحات ، وإنما هي عملية تربوية متكاملة تتطلب وجود مختبرات وغرف مصادر غنية بالتقنيات الحديثة  تساعد على توظيف استراتيجيات التفكير ، واستراتيجيات التدريس العملي والمعملي التي تمكن الطالب من ممارسة التعلم عملياً ، وتصقل مهاراته ، وتجعله مهيأً للمشاركة في جلسات عصف ذهني تنمي تفكيره .

   والحل الرئيس ـ فيما أرى ـ يكمن في تطوير المؤسسات التربوية بتحديث غرفها الصفية ومختبراتها ؛ لتصبح بيئات جاذبة تنجح في إتمام عملية التغيير المنظم والمحمود في سلوك المتعلمين وفي طرائق تفكيرهم .

  sawahry@ hotmail.com

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz