مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

أهمية العناية بالنمو الأخلاقي للطفل

د. محمود طافش الشقيرات

   تهدف التربية إلى مساعدة الطفل على بناء وتطوير شخصيته من جميع النواحي المكونة لها بالقدر الذي يسمح به عمره العقلي ونضجه الجسدي . وقد تعرض لاستراتيجية النمو الأخلاقي لدى الطفل العديد من الباحثين من أمثال بياجيه وكولبرج ورسو ، فقام كولبرج بدراسة النمو الأخلاقي لدى الطفل ، وحدد لذلك ثلاثة مستويات تتم عبر ست مراحل ؛ بحيث تتحول اهتمامات الطفل الأنانية إلى مسئوليات اجتماعية ، وتنتقل من الاعتماد على معايير خارجية إلى الاعتماد على معايير أخرى داخلية ذاتية ، كما تنتقل من الاهتمامات المادية إلى التفكير في القيم والمبادئ السامية .

   ومن المتعارف عليه أن التربية عملية متشابكة تبدأ بالأسرة وتنتهي بالمجتمع مرورا بالمدرسة ؛ ففي البيت يبدأ ضمير الطفل بالظهور بعد السنة الثانية من عمره ، حيث يكون قادرا على تلقي الأوامر والنواهي التي توجه سلوكه ، فيأخذ بالميل تجاه السلوك المحمود المرغوب فيه ، وبالابتعاد عن السلوك المذموم المنهي عنه ، ولا تتوقف التربية الأخلاقية عند نهي الطفل عند السلوكات المذمومة ، بل عليه أيضا أن يسلك سلوكا إيجابيا مقبولا . ويتوقف نمو الأنا السامي لديه على ما يتمتع بها والداه من أخلاق وعلى طبيعة علاقته بهما ، فإن كانت هذه  العلاقة دافئة وحميمة فإنه سيسهل عليه الارتباط بهما ، وبموافقة سلوكه لسلوكهما ، والعكس صحيح .

   وتبدأ العناية بتنمية وصقل أخلاق الطفل في سنوات عمره الأولى إذ تبدا قدرته الفطرية الفائقة على اكتساب الخبرات الخيّرة او الشريرة من المحيطين به في البيت ؛ فهو يقتدي بهم في كل ما ينطقون به من ألفاظ نقية ، وما يقومون به من أفعال حميدة ، إضافة إلى توجيهه إلى اجتناب الألفاظ البذيئة النابية ، والعادات السيئة المنبوذة كالكذب ، والأفعال المذمومة كالسرقة والعدوان وغير ذلك .

   ويتوقف مدى النمو الأخلاقي لدى الطفل على أنماط التفاعل مع البيئة التي يتربى بها ،  وينهض الدين بدور مهم في غرس وتنمية وصقل الأخلاق لديه ؛  ليصبح ميالا لممارسة الأعمال الصالحة ، واجتناب الأعمال المنحرفة ، وذلك بالنظر إلى النتائج التي ستترتب على أقواله وأفعاله  ، ومن هنا فقد جاء تركيز الدين على يوم الحساب ،  وعلى الترغيب في الجنة والترهيب من النار . ولعل الأمر الجلي أن الدين هو المصدر الرئيس للأخلاق نظرا للارتباط الوثيق بينهما .

   وكذلك فإن الاتجاه صوب النظريات التربوية التي ترى أن الغاية تبرر الوسيلة كما هو سائد الآن في كثير من بقاع الأرض لن يكون مضمون العواقب في منأى عن الدين لأنه هو المصدر الأول والأمثل للأخلاق .

   والتربية عملية أخلاقية تلامس جسد الطفل وعقله وروحه ونفسه بحيث يكون قادرا على استثمار طاقاته إلى أبعد حد ممكن ؛ لذلك فقد كان ديوي يقول : إن التربية والأخلاق شيء واحد ما دامت الثانية لا تربو على كونها انتقال للخبرة من السيء إلى الحسن ، لذلك فإن من المؤسف أن العديد من النظريات التربوية والنفسية المعاصرة لا تهتم الاهتمام الكافي بالجانب الأخلاقي ؛ فهي تؤكد على التربية الذاتية التي تهتم بالمصالح والمكاسب المادية أكثر من اهتمامها بالنزعة الغيرية . ومن المؤسف أيضا أن معظم الأنظمة التربوية في الوطن العربي تتجه إلى تقليد المجتمعات الغربية المتفوقة اقتصاديا ؛ لذلك فإنه يلاحظ ندرة الأسس التربوية الأخلاقية التي تناسب مجتمعاتنا ، وتعمل على تحقيق التوازن بين الذاتية والغيرية .

  ولعل انتشار الرذائل على نطاق واسع في الآونة الأخيرة في كثير من أرجاء الكون يعطي مؤشرا واضحا على غياب الأخلاق النبيلة القائمة على العفة والشفافية ؛ ومن هنا تبرز حقيقة أن اعتماد المؤسسة المجتمعية على الدين يعد مؤشرا صادقا على ثبات الأخلاق ورسوخها ، وإن الانحياز للقيم الشائعة في المجتمعات المتفوقة اقتصاديا قد لا يكون مؤشرا سليما مضمون العواقب .

   والجدير بالذكر أن بعض الأراء تميل إلى اعتبار أن الأخلاق موروثة يأخذها الأبناء عن الآباء ، لكن الأمر المؤكد أنها عملية مكتسبة يمكن تنميتها وصقلها مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل البيولوجية ، فلا الطفل الذي يتربى في بيئة نظيفة يظل نظيفا دائما ، ولا الذي يتربى في بيئة موبوءة يظل كذلك ، ومن هنا تبرز أهمية تعليم الطفل مكارم الخلاق منذ نعومة أظفاره من خلال إستراتيجيات التنشئة الاجتماعية وما تتطلبه من تقنيات عبر اجراءات متكاملة متمازجة .

  ومن الأساليب التي تستخدم في تنمية الاتجاه الخلقي لدى الطفل :

- الثواب والعقاب ؛ لتربية ضميره ولتعزيز ممارساته الإيجابية المحمودة ، وإيقاع العقاب بالطفل الذي ينحرف لتقويم سلوكه من منطلق ان " السلوك الذي يكافأ يميل إلى أن يقوى ويتكرر ليتحول إلى أسلوب حياة وعادة ثابتة وراسخة لديه ، في حين أن السلوك الذي يعاقب عليه يذوى ويذوب"   ومن هنا يبرز شعورالمرء بالسعادة إن قام بعمل محمود ، وبتأنيب الضمير إذا ارتكب عملا مشينا .

- الملاحظة والتقليد ؛ حيث يميل الطفل إلى تقليد المحيطين به فيما يقومون به من أعمال ، لذلك فإن على الوالدين والأخوة والمعلمين أن يحرصوا على ان يكونوا قدوة صالحة لأطفالهم في البيت وفي المدرسة . وفي كثير من الحالات يقلد الطفل شخصا آخر يشبهه فيشاركه في جميع تصرفاته ، وغالبا ما يندمج الطفل بالسلوك السائد في الأسرة .

- ومن مصادر النمو الأخلاقي للطفل البرامج والمناهج الموجهة نحو القيم الأخلاقية ، وهذه كما لا يخفى على كل ذي بصيرة نادرة .

   ولا يمكن للطفل أن يحصل على تربية أخلاقية مناسبة إذا لم يكن الشخص القائم على تربيته –أبا كان أو معلما – قد حصل عليها فعلا . ويظل البيت الفيّاض بحنان الأم ودماثة أخلاق الأب هو صمام الأمان الذي يقي الطفل من الوقوع في الرذائل والممنوعات فتظل أخلاقه سامية .

sawahry@hotmail.com

 

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz