مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

قضية للنقاش

 

الحق... والقانون

محمود الشقيرات

  لا  يخفى على كل إنسان ذي بصيرة ما يتمتع به القضاء في بلدنا من استقلالية ونزاهة مميزة، وما كان ذلك ليتم في هذه الصورة الرائعة لولاء التوجيهات السديدة والمتابعات اليقظة التي يوليها جلالة القائد الباني لقطاع القضاء ؛ فهو يرفع دائما شعار " العدل أساس الملك " ويذود عنه بما عرف عنه من قوة شكيمة وصدق عزيمة . ورغم ذلك فإن هذه المتابعة الرائعة والملاحظة اليقظة لم تمنع من حصول بعض التجاوزات والأخطاء البسيطة ، لكنها مؤلمة ؛ من ذلك هذه التجربة المؤلمة التي  رواها لي صديق :   

   " خرجت أم أولاده من بيتها غاضبة لأنه لم يستطع أن يلبي لها طلبا صعب عليه تنفيذه  ، وبعد ثلاث سنوات من نشوزها ورفضها للعدبد من الجاهات التي أرسلها لها ، أرسلت إليه قصاصة من الورق تطلب فيها منه أن يرسل إليها من بيت الزوجية أثاثا زعمت أنها اشترته من مالها الخاص ، ولكون الأب الوفي والمحب لأبنائه كان حريصا على عودة أم أولاده إلى بيتها فقد تمسك بذلك الأثاث ، رغم أن وجوده لديه كان يعطل شقة كان يمكن تأجيرها بآلاف الدنانير ، فطلبت الزوجة من محامٍ أن يرفع على زوجها دعوى حقوقية ،فقام الأب الحريص على سلامة بيته بزيارة ذلك المحامي ، وأوضح له أن سبب تمسكه بذلك الأثاث هو حرصه على سلامة بيته ، وطلب منه أن يساعده في لم شمل أسرته ، وكتب لأم أولاده رسالة في مكتب ذلك المحامي وطلب منه أن يقوم بتسليمها إياها ،  فزعم ذلك المحامي أنها رفضت استلام الرسالة ، وبعد فترة رفع على الزوج قضية ، وطلب من القاضي إلزام الزوج برد الأثاث لموكلته ، أو دفع قيمته النقدية والمقدرة حسب رأيه بخمسمائة دينار ، واستمرت المحاكمة عدة جلسات تأكد للزوج بعدها أن زوجته تتشبث بطلبها ، فقال لواحد من أبنائهما قبل جلسة صدور الحكم : إذا كانت والدتكم مصرة على نقل الأثاث فإن بإمكانها أن ترسل سيارة لاستلامه ، فجاء الشاب بسيارة واستلم ذلك الأثاث ، وفوقه مبلغ خمسة وثلاثين دينار هي رسوم الدعوى التي رفعتها الزوجة ضده ، ووقع على إيصال بالاستلام ، واعتبر الأب المكلوم أن القضية قد انتهت ، وأبلغ محامي الزوجة بذلك .  

    لكن ذلك المحامي قد انتهز فرصة عدم دراية الزوج بالقوانين فاستمر بالقضية ، وهكذا صدر الحكم بإلزام الزوج بدفع ثمن الأثاث الذي طلبه ذلك المحامي ، ونظرا لانشغال المحكوم عليه بأعماله فقد كلف محامية شابه باستئناف الحكم بعد أن سلمها وثيقة استلام الأثاث ، ويبدو أنها قد انشغلت عن متابعة القضية .

   و بعد سبعة أشهر فوجيء الزوج المُعنّى بمحضر المحكمة يدخل عليه مكتبه ويسلمه إخطارا بوجوب دفع المبلغ وزيادة عليه سبع وستين  دينارا ورسوم أخرى ، وفي الإشعار  تهديد بالحبس إذا لم يتم الدفع خلال سبعة أيام ، وحيث إن تلك الزوجة كانت قد طلبت حبس زوجها قبل ذلك ، فقد خشي المُبتلى أن تفعلها مرة أخرى ، فسارع إلى المحكمة لتسديد ما طلبه محامي زوجته رغم قناعته بأنه لا حق لها في ذلك ."

   وبعد أن انتهى ذلك الصديق من سرد قصته لم يستوعب عقلي وقائع تلك الحكاية ، فسألت محاميا صديقا عن رأيه في هذا الحكم الذي يعطي المدعي ضعف ما يطلبه ، فلم يزد ذلك الصديق عن أن تناول ملفا أصفر عن مكتبه وقال لي : هذا ملف أصفر ، أنا أراه أصفر ، وأنت تراه أصفر ، وكل الناس يرونه أصفر ، لكن إذا قال القانون أنه أزرق فهو أزرق .       

     لم يستوعب عقلي تعليل المحامي الصديق ؛ حيث إن  المنطق المقبول يقضي بأنه إذا حصل صراع بين الحق والقانون فإن الغلبة ينبغي أن تكون للحق ؛ لأن القانون مجند لخدمة الحق وليس العكس ؛ فإن كان من حق تلك المرأة أن تسترد أثاثها ، وقد استردته فعلا، فإنه ليس من حقها أن تحصل على ثمنه بعد استلامها له ، وإن فعلت فإن هذا هو الظلم بعينه ، فكيف يسمح القانون للظلم أن ينتصر على الحق ؟

   يقول الحقوقيون إنه ما زال أمام الحق فرصة أخرى ليستعيد جلاله  من خلال القيام برفع قضية أخرى ، لكن أليس في كل هذه الدعاوى هدر للمزيد من الوقت والمال والجهد ؟ فلماذا يسمح القانون بوقوع كل هذه الخسائر ؟

   نحن نقترح ، والقضية مطروحة للنقاش ، أن يقوم مكتب معالي وزير العدل مثلا أو دائرة فضيلة قاضي القضاة في بلدنا أو من ينوب عنهما برصد ما يقوم به بعض المحامين الضالين من محاولات لرفع شان الظلم لتحقيق بعض المال بالاحتيال ، فإن تكررت تلك الممارسات الظالمة ، حرر له مخالفة شأنه شأن أي مخالف آخر،  أو وضع في سجله إشارة تدل على أنه قد نكث بوعده وحنث بيمينه حين أقسم على أن ينصر الحق ، وأن يتصدى للظلم .  

   وطلب ذلك الزوج الصدبق المغلوب على أمره من واحد من أبنائهما أن يدفع المبلغ المحكوم به فدفعه . وهكذا كان المستفيد الوحيد من غلبة القانون للحق هو ذلك المحامي الذي استطاع أن يبتز امرأة قد تجاوزت الستين من عمرها ، وأعمتها الرغبة في الانتقام عن أن تبصر الحقيقة كاملة دون أن تدرك أن الحق ينير العقول والقلوب ، ويشيع في النفوس المتعبة دفئا وطمأنينة ، وأن الظلم يدمر النفس والمجتمع ، وما أقساه على النفس ذلك الشعور الذي يعتري الإنسان إذا وجد أن القانون غير قادر على حمايته ودفع الضيم عنه !

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz