الأمية الأبجدية...والأمية الحضارية

  تشير الدراسات التي أجريت مؤخرا إلى أن أكثر من سبعين مليون مواطن عربي ما زالوا يعانون من ظلمة الأمية ، وأن معظم هؤلاء الأميين من الرعايا المصرية واليمنية ، وأن الأردن وفلسطين هي من أقل الدول العربية معاناة من هذه الوصمة .

   والأمية المقصودة في البحث هي الأمية الأبجدية المتمثلة في عدم قدرة الإنسان على القراءة والكتابة ، أما الأنماط الأخرى من الأمية وهي الأكثر خطورة وأشد تدميرا ، كالأمية الحضارية والأمية الفنية ، فإن المشاهدات اليومية تنم عن أننا  لم نبدأ مشوارها بعد ، فإلى متى سنظل عنها في غفلة ؟

  لو قدّر لك أيها القارئ العزيز أن تقوم برحلة سياحية إلى إحدى البلدان التي توصف بأنها متحضرة كاليابان أو ألمانيا مثلا ، لبهرك مدى التزام الناس في تلك البلاد  بالقيم السامية المتمثلة في النظام والنظافة والصدق والأمانة واحترام كرامة الناس وحقوقهم ... إنك بالتأكيد ستقف مشدوها وأنت ترى الناس في هذه البلاد يصطفون منضبطين في طوابير لقضاء حاجاتهم دون أن يطلب منهم أحد ذلك .

   وأستطيع أن أؤكد لك بأنك لن تسمع منبه سيارة يعكر عليك هدوءك طيلة شهر أو شهرين ، وإذا حدث ، فمعنى ذلك أن خطرا ما على وشك أن يحيق بأحدهم مما اضطر السائق لاستخدام هذه الأداة .

   وستعجب من نظافة الشوارع والأماكن العامة ، وعلى وجه الخصوص دورات المياه فيها ، ولو أنك أخطأت  ورميت قصاصة ورق أو علبة تبغ فارغة في غير المكان المخصص لذلك ، فإنك بالتأكيد ستسمع من يؤنبك وقد يقول لك : أنت إنسان قذر

    وأما إن تلفظت بكلمة بذيئة أو نابية ، أو ذكرت إنسان ما بغير ما يحب ؛ فإنك ستلحظ عيون  السامعين ترمقك دون احترام .

   ولو أن أحدهم وجد مبلغا من المال في الشارع فإنه لن يتوانى دقيقة واحدة عن تسليمه لأقرب مركز للشرطة .

   ولن تجد مواطنا يهدر وقته بالثرثرة والكلام الذي لا طائل من ورائه ..إنك سترى الناس يقرؤون في القطار وفي الحديقة ، وحتى أثناء وقوفهم في الطوابير .

     هذا غيض من فيض مما يمكن أن تسمعه أو تشاهده في تلك البلدان المتحضرة .

   بقي في هذا المقام أن أناشد القائمين على التربية والتعليم في بلاد العرب ، وأتوسل إليهم قائلا : أرجوكم أسرعوا في تخليصنا من الأمية الأبجدية ، فلعلنا نتذكر أننا بحاجة إلى أن نبدأ مشوار الأمية الحضارية ، فلعلنا نستطيع استرداد قيمنا ومبادئنا التي نقلها الآخرون عنا وتمسكوا بها ، في حين تخلينا عنها ونحن أحق الناس بها .

Sawahry @ hotmail.com