مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

11 – اللعنة والطرد من رحمة الله .

       يبين الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع في كتابه الكريم ، بأن لعنته والطرد من رحمته ستحل على الظالمين الذين يموتون قبل أن يتوبوا إليه ويرجعوا عن ظلمهم . يقول سبحانه وتعالى : } ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين {  (1) 

       والظلم محرم في الكتاب والسنة ؛ ففي القرآن الكريم نهى الله نهيا صريـحا ، وحذر عباده من الظلم ومن الظالمين بقوله : } ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ، وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون { (2)

ثانيا : التحذير من الظلم في السنة المطهرة .

    الظلم بشع كالوباء ، إذا تفشى بين قوم فإنه سيهلكهم ؛ لأن الأضرار والمفاسد  التي تترتب عليه لا حدود لها ، لذلك فقد حرمه الله – سبحانه وتعالى – بصريـح العبارة . كما أنه يخبرنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم  بان الظلم محرم تحريما شاملا .وهذا أبو ذر – رضي الله عنه – يروي عن النبي – صلى الله عليه وسلم -  فيما يرويه عن الله – تبارك وتعالى – أنـه قال : " يا عبـادي ، إنـي حرمّت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا ." (1) وقد شبه النبي – صلى الله عليه وسلم – الظالم بالتاجر المفلس ، الذي خسر رأس ماله بسوء أفعاله ، فهو ينفق أمواله ليصلح الأضرار التي ألحقها بأموال الناس وأعراضهم ، قال – متّعنا الله بشفاعته – لأصحابه يوما : " أتدرون من المفلس ؟ " قالوا : المفلس منا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : " إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيقضى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه ، أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" (2)  لذلك فقد حثّ شرعنا الحنيف الذين ظلموا الناس على أن يتداركوا أمرهم ، ويصلحوا شأنهم بالتحرر من ظلمهم ، قبل أن يُحال بينهم وبين النجاة . يقول سيدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ناصحا وموجها :

" من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء ، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات ، أُخذ من سيئات صاحبه ، فحمل عليه ."(3)  

     وظلم أمير القوم ليس كظلم عامتهم ؛ لأنه يحمل على عاتقه أمانة حماية جماعته والدفاع عنهم ، وكل ظلم أو تقصير يقع منه عليهم ، سـيكون سـبباً في

هلاكه يوم القيامة . يقول سيدي أبو القاسم ، جزاه الله عنا خير الجزاء :  وهويخص المسئولين الظالمين بالوعيد بحديث رواه أبو هريرة  رضي الله عنه حين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه إلا العدل ، أو يوبقه الجور ." (1)

    والمظلوم الضعيف العاجز الذي لا يقوى على دفع الظلم عن نفسه لا يملك إلا أن يتوجه إلى الله ببصره إلى العزيز الجبار ، الذي لا تضيع عنده الحقوق ، لينصره وليعيد له حقه ، وهو يعلم بأنه لن يخذله .

     وحيث إن دعوة المظلوم مهلكة . لذلك فقد حذرنا إمامنا منها ، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام : " اتقوا دعوات المظلوم ، فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرار (2) وفي نفس المعنى قال – صلى الله عليه وسلم - : " اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب "(3)  وفي مناسبة أخرى قال عليه الصلاة والسلام مكررا تحذيره  : " ثلاث دعوات مستجابات : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على ولده ." (4) وهو في هذا الإطناب يؤكد على أن دعوة المظلوم لا تُرد عن باب الرحمن  . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ، ويفتح لها أبواب السماء ، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ." (1) وعن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاثة لا يرد دعاؤهم : الذاكر لله كثيرا ، ودعوة المظلوم ، والإمام المقسـط " (2)

       ومن أجل أن يقينا من هذه المآسي المدمرة ، فقد نصحنا سيدنا وهادينا محمد صلى الله عليه وسلم ، أن نستعيذ بالله من الظلم ؛ روى زيد بن ثابت رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علمه دعاء ، وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم . ومنه قوله عليه السلام : " أعـوذ بك - اللهم – أن أظلم أو أُظلم ، أو أعتدي أو يُعتدى علي ، أو أكتسب خطيئة محيطة ، أو ذنبا لا يغتفر ." (3)

ثالثا : التحذير من الظلم على ألسنة الوعاظ والحكماء :

(1)          أجمع الفقهاء على تحريم الظلم ، معتمدين في ذلك على النهي الصريح عنه الوارد في كتاب الله الكريم ، وعلى لسان رسوله العظيم صلى الله عليه وسلم . والظلم يسبب غضب الله - سبحانه وتعالى -  لكثرة الأضرار التي يلحقها بعباده . قال ابن الجوزي رحمه الله : " الظلم يشتمل على معصيتين : أخذ مال الغير بغير الحق ، ومبارزة الرب بالمخالفة ، والمعصية فيه أشد من غيرها ، لأنه لا يقع غالبا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار ، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلـب ، لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى ، اكتنفت ظلمات الظلم الظالم ، حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا ." (1)

      لذلك ، كان الصالحون من عباد الله يذمون الظلم ويلتزمون باجتنابه . يروى أن أبا جعفر المنصور قال للمهدي ذات يوم ناصحا : يا أبا عبد الله ! إن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى ، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة ، والرعية لا يصلحها إلا العدل ، وأولى الناس بالعدل أقدرهم على العقوبة ، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه ."

   وقد سار العلماء والحكماء على نهج النبوة ، فحذروا من الظلم وأكدوا على أن دعوة المظلوم تحظى بالرعاية والعناية من الله سبحانه وتعالى ، وأكدوا على أن الظلم سيصرع صاحبه لا محالة ، وهو مهدد بالهلاك في كل لحظة ؛ لأن سهام دعوة المظلوم تترصده . وفي هذا المعنى قال أحد البلغاء : " أقربُ الأشياء صرعة الظلوم ، وأنفذ السهام دعوة المظلوم . "

    ويحذر أحد الحكماء من دعوة المظلوم فيقول مخاطبا الظالم :

   أتهـزأُ بالدعـاءِ وتزدريـهِ                  وما يدريـكَ ما صنعَ الددعاءُ

   سهامُ الليـلِ لا تخطي ولكن                     لهـا أمـدٌ وللأمـدِ انقضاءُ

    وقال آخر : اتقوا ظلم من لا ينتصر إلا بدمع عينيه .وقيل لأعرابي : من أحقُّ الناس بالرحمة ؟ قال : الكريم يُسّلط عليه اللئيم .والعاقل يُسّلط عليه الجاهل .وقيل

له : أيُّ الداعين أحق بالإجابة ؟ قـال : المظلـوم الذي لا ناصـر لـه إلا الله .

     و قال أحد ولاة عمر بن الخطاب له : عظني . فقال له : أوصيـك بتقوى الله ، ودعوتين ترجو إحداهما وتخاف الأخرى ؛ دعوة لهفان تعينه بالشيء فيدعو لك ، ودعوة مظلوم ، وهي أوشك صعودا إلى الله وأسرع كرة .

 الخوف من الظلم : أدرك العرب منذ القدم العواقب المدمرة للظلم ، فأكدوا في أمثالـهم على أن :  "  الظلم مرتعه وخيم " ولم يكن يساورهم أدنى شك في أن الظالم سيكون هو الخاسر في النهاية ، لذلك قالوا :

" على الباغي تدور الدوائر "

     ولعل الآثار المدمرة التي يتركها الظلم في النفوس البشرية ، وفي المجتمعات الإنسانية ، هي التي جعلت عباد الله المستنيرين يتقونه ، ويفرون منه كما يفر الإنسان السليم من الرجل الأجرب . والأمثلة على ذلك كثيرة أذكر منها :

النبي سليمان عليه السلام يعتذر لنملة :

    " يروى أن نملة  مرّت على صدر سليمان عليه السلام وهو نائم ، فلما أحسّ بها أخذها ورماها . فقالت : يا نبي الله ما هذه الصولة ؟ أما علمت أنك ستقف بين يدي ّ ملك قاهر قادر يأخذ للمظلوم من الظالم ؟ فغشي عليه . فلما افاق قال لها : تجاوزي عني . فقالت لا أتجاوز عنك إلا بثلاثة شروط .: أن لا تردّ سائل ، ولا تضحك بطراً في الدنيا ، ولا تمنع جاهك ممن استعان بك . قال : نعم . فعفت عنه

الرشيد يعفو عن مسجون :

     " يحكى أن أمير المؤمنين هارون الرشيد أمر يحيى بن خالد بحبس رجل جنى جناية فحبسه ، وذات يوم سأل عنه الرشيد فقيل له : هو كثير الصلاة والدعاء ، فقال لحارسه : عرضّ له بان يكلمني ويسألني إطلاقه . فقال له الحارس ذلك . فرد عليه بقوله : قل لأمير المؤمنين ، إن كل يوم يمضي من نعمتك ينقص من محنتي ، فالأمر قريب ، والموعد الصراط ، والحاكم هو الله . فخرّ الرشيد مغشيا عليه . ثم أفاق وأمر بإطلاقه . " (1)

سليمان بن عبد الملك يطلب نصحا :

      " يروى أن  سليمان بن عبد الملك قال لأحد الحكماء : ما المخرج مما نحن فيه من الكرب ؟ قال : بالصغير من الأمر . قال سليمان : وما هو ؟ قال الحكيم : تنظر ما كان في يدك مما ليس بحق فترده إلى أهله ، وما لم يكن لك لم تنازع فيه غيرك . قال سليمان : ومن يطيق هذا ؟ قال الحكيم : من خاف النار ورجا الجنة . قال : أيها الحكيم : ادع الله لي ؟ قال :ما ينفعك أن أدعو لك في وجهك ويدعو عليك مظلوم من وراء الباب ؟ فأي الدعاء أحقُّ أن يجاب ؟  فبكى سليمان واشتدّ بكاؤه ."

 الخوف من دعوة مظلوم :

   وكان يزيد بن حكيم يقول :" ما هبتُ شيئا قط هيبتي رجلا ظلمته ، وأنا أعلم ُ أنه لا ناصر له إلا الله ، فيقول لي : حسبك الله ، الله بيني وبينك  ."

معاوية يستحي من الظلم :

 وقال معاوية بن أبي سفيان : إني لأستحي أن أظلم من لا يجد عليَّ ناصرا إلا الله   

    وقد حذّر الحكماء من عاقبة الظلـم في أشـعارهم . وهذا علي بن أبي طالـب – كرّم الله وجهه - يقول ناصحا باجتناب الظلم ، لأن عاقبته مؤلمة ، ولأن الله - سبحانه وتعالى – للظالمين بالمرصاد :

لا تظلمنَّ إذا ما كنـتَ مقتـدراً              فالظـلمُ مرتعـهُ يفضـي إلى الندمِ

تنـامُ عينـكَ والمظلـومُ منتبهٌ               يدعـو عليـكَ وعيـنُ اللهِ لم تنـمِ

  ويقول عمر بن الوردي في نفس الموضوع محذرا الظالم من الاستمرار في ظلمه ، وناصحا له بالتوبة وطلب العفو من الله :

إيـاك من عَسَفِ الأنـامِ وظلمهم          واحـذر من الدعـواتِ في الأسحارِ

وإن ابتليـتَ بـزلـةٍ وخطيـئةٍ           فـانـدم وبـادرهــا بالاسـتغفارِ

وقال آخر مؤكدا أن من يظلم سوف يُبتلى بأظلم منه ، وأن عقاب المنتقم الجبار سيطال جميع الظالمين :

وما مـن يـدٍ إلا يـدُ اللهِ فوقَها           ولا ظـالـمٍ إلا سـيبلـى بأظـلـمِ

    ويُذكّر ابن المقري الظالمين بالموت ،وبأن بعد الموت حساب ، وينصـح كل ظالم  بأن يذكر دائما أن الله للظالمين بالمرصاد :

يا ظالما جـارَ فيمن لا نصيرَ له           إلا المـهيـمنُ لا تغتـر بالمُـهـلِ

غدا تمـوتُ ويقضي الله بينكمـا            بحكمهِ الحـقُ لا بالزيـغِِ والحيـلِ

ويحذر  محمد بن طلحة من الظلم ومن الفحش فيقول :

فـلا تعجـل علـى أحـدٍ بظلـمِ            فـإنَّ الظـلـمِ مرتـعـهُ وخيـمُ

ولا تفحـش ، وإن مليـتَ غيـظاً           علـى أحـدٍ فـإن الفحـشَ لـؤمُ

 

     ولا يكتفي كعب بن مالك بتحذير قومه من الظلم ، ولكنه أيضا يحذرهم من التعاون عليه مبينا لهم أن عواقبه مدمرة ، وضاربا لهم الأمثال بما جرى للأقوام السابقة كقبيلتي عبس ووائل ، فيقول :

إياكـم أن تظلمـوا أو تناصـروا           على الظلـمِ إنَّ الظلـمَ يردي ويهلكُ

لوى ببني عبـسٍ وأحيـاءَ وائـلٍ           وكم مـن دمٍ بالظلـمِ أصبحَ يسـفكُ   

    ويؤكد  أمية بن طارق الأسدي بأن الظلم سيرتد على صاحبه ، فيقول :

إيـاكَ والظـلـمَ المبيـنَ إننـي            أرى الظلـمَ يغشى بالرجالِ المغاشيا

ولا تـكُ حفـاراٌ بظلمـكَ إنمـا            تصيـبُ سـهامُ الغيِّ من كان غاويا

      ويحذر أحد الحكماء من عواقب الظلم ، ومؤكدا بأن الظالم سيجني عواقـب ظلمه مهما كانت قوته ، وأسباب المنعة والحماية المحيطة به . يقول مخاطبا الظالم :

   لو بـتَّ فـي حضـنٍ سـما        فـي الجـوِّ لا يعلـوه طائـرْ

   مـن حولـهِ الأبطـالُ فـي        أيـديـهم البـيـضُ البواتـرْ

   وعليـكَ أدرعـةُ الحـديـدِ         وحولـك الأسُـدُ الكـواسـرْ

   ودعـا عليـكَ مظلـومُ لـم        يـلـقَ غيــرَ اللهِ نـاصـرْ

  لأصـابَ سـهمَ دعائـهِ منـ         ـكَ الفـؤادَ وأنـت صـاغرْ       

     وحيث إن الإنسان الضعيف ، الذي لا حول له ولا طول ، إذا تعرض للظلم فإنه لا يجـد له إلا الله ناصرا ومعينا ، فقد تكفل الله ، الحكم العدل بنصرته ورد

الاعتبار إليه ؛ بإجابة دعوته ، وكشف السوء عنه ، لذلك فقد بات كثير من الناس الذين يقعون في الظلم يحسبون لدعوة المظلوم كل حساب . والأمثلة على ذلك كثيرة أذكر منها :

    "  قال أحد الأمراء : دعوتان أرجو إحداهما بقدر ما أخاف الأخرى ؛ دعوة مظلوم أعنته ، ودعوة ضعيف ظلمته ."

  " و قال أبو الدرداء : إياك ودمعة اليتيم ، ودعوة المظلوم ،فإنها تسري بالليل والناس نيام . "  

      ويحذر أسامة بن منقذ الظالم ويذكره بحكم الله ، وبالأهوال التي تنتظره بعد موته ، ويؤكد له بأن سلطانه وقواته لن تحميه من عقاب الله الغليظ ، وأنه لن يقبل له عذرا  :

أيهـا الظـالـمُ  مـهـلاً          أنـتَ  بالحـاكـمِ غـرُّ

كلُّ مـا استـعذبـت مـن         جـوركَ تعذيـبٌ وجمرُ

ليـس يلقى دعـوةَ المظـ          لـومِ دونَ  اللهِ  سـتـرُ

فـخـفِ اللهَ ، فـمـا يخـ         فـى عليـه منـهُ سـرُّ

يجـمـعُ الظالـمَ والـمظـ         لـومَ بعـدَ الموتِ جسرُ

حيــثُ لا يمنـعُ سـلطـا         نٌ ، ولا يُسـمـعُ عـذرُ

أو ما ينـهـاكَ عـن ظلمـ          كَ مـوتٌ ثــم قبــرُ

بعـضُ مـا فيـهِ مـن الأ          هـوالِ فيـهِ لكَ زجـرُ

    ويرى أبو العتاهية أن الظلم عمل مذموم ، ويذكر الظالم والمظلوم بأن الله هو الذي سيفصل بينهما يوم القيامة :

أمــا واللهِ إنَّ الظـلــمَ لــؤمٌ           وإنَّ الظـلـمَ مـرتعُـهُ وخـيـمُ

إلى ديـان يـوم الديـن نمضـي            وعنـدَ اللهِ تـجتـمـعُ الخصـومُ

     ويؤكد حسان بن ثابت رضي الله عنه ، بأن من حفر حفرة لغيره فإنه سيقع فيها ، وأن عاقبة فعله ستكون الخسران والندم فيقول  :

وكـم حـافـرٍ حفـرةً لامـرئٍ              سيصـرعهُ البغـيُ فيمـا احتفـر

     وعند الله سيتنفس المظلوم الصعداء ، وسيسقط الظالم بين براثن أفعاله . وفي هذا المعنى قال الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : " يوم المظلوم على الظالم أشدُّ من يوم الظالم على المظلوم ." 

     ولأن السلف الصالح كانوا يدركون العواقب المدمرة للظلم ، فقد كان خلفاء المسلمين يكثرون من تحذير ولاتهم وعمالهم منه . ومن أبرز الأمثلة على ذلك أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله : " أما بعد ، فقد أمكنتك القدرة من ظلم العباد ، فإذا هممت بظلم أحد فاذكر قدرة الله عليك ، وأعلم أنك لا تأتي الناس شيئا إلا كان زائلا عنهم باقيا عليك . وأعلم أن الله سبحانه آخذٌ للمظلومين من الظالمين ، ومهما ظلمت من أحد فلا تظلمن من لا ينتصر عليك إلا بالله سبحانه وتعالى . "

  

 

 

 

     ونقرأ في سجل التجارب الإنسانية الكثير من الأمثلة التي استجاب الله السميع العليم بها لدعوات عباده المظلومين ، الذين يتضرعون له بإخلاص ، معتمدين عليه ، وموقنين بنصرته . وفيما يلي بعض النماذج الموضحة لذلك .

دعوة سعيد بن زيد :

      استعدت أروى بنت أويس مروان بن الحكم وهو والي المدينة على سعيد بن زيد ، في أرضه بالشجوة . وقالت : إنه قد أخذ حقي ، وأدخل أرضي في أرضه .

قال سعيد : كيف اظلمها وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة " وترك لها سعيد ما ادعت وقال : اللهم إن كانت أروى ظلمتني فاعمِ بصرها ، واجعل قبرها في بئرها . قال فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول : أصابتني دعوة سعيد ."

 دعوة أبي معلق : 

    " كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى : أبا معلق ، وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره ، يضرب به في الآفاق ، وكان ناسكا ورعا ، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح ، فقال له : ضع ما معك فإني قاتلك . قال : ما تريد إلى دمي ؟ شأنك بالمال .قال : أما المال فلي ، ولست أريد إلا دمك .قال : أما إذا أبيت ، فـذرني أصلي أربـع ركعات . قال : صلِّ ما بـدا لك .  فتوضأ ثم صلى أربع ركعات ، فكان من دعائه آخر سجدة أن قال : يا ودود يا ذا العرش المجيد ، يا فعّال لما يريد ، أسألك بعزك الذي لا يرام ، وملكك الذي لا يضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك ، أن تكفيني شر هذا اللص ، يا مغيث أغثني ، ثلاث مرات .  فإذا بفارس أقبل بيده حربة ، واضعها بين أذني فرسه ، فلما بصر به اللص أقبل نحوه ، فطعنه فقتله ، ثم أقبل إليه ، فقال : قم .

قال : من أنت بأبي أنت وأمي ؟ فقد أغاثني الله بك اليوم . قال : أنا ملك من أهل السماء الرابعة ، دعوت بدعائك الأول ، فسمعت لأبواب السماء قعقعة ، ثم دعوت بدعائك الثاني ، فسمعت لأهل السماء ضجة ، ثم دعوت بدعائك الثـالث ، فقيل لي : دعاء مكروب ، فسألت الله تعالي أن يوليني قتل هذا اللص . " (1)

دعوة والد على ولده :

   " حدّث الحسن بن علي رضي الله عنهما : بينما أنا أطوف مع أبي حول البيت في ليلة ظلماء ، وقد رقدت العيون ، وهدأت الأصوات ، إذ سمع أبي هاتفا يهتف بصوت حزين شجي وهو يقول :

يا من يجيب دعـا المضطر في الظُلَمِ        يا كاشفَ الضرِّ والبلوى مع الألمِ

قد نام وفـدك حـول البيـتِ وانتبهوا        دعوا وعينـكَ يا قيّـومُ لم تنـمِ 

هب لي بجودك فضلَ العفوِ عن جرمي        يا من أشارَ إليه الخلقُ في الحرمِ

إن كان عفوكَ لم يـدركهُ ذو شـرفٍ        فمن يجـودُ على العاصين بالكرم ِ

    فقال أبي : يا بني ، أما تسمع صوت النادب لذنبه المستقبل لربه ؟  الحقه ، فلعلك أن تأتني به . فخرجت أسعى حول البيت أطلبه فلم أجده حتى انتهيت إلى

المقام ، فإذا هو قائم يصلي . فقلت :

- أجب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأوجز في صلاته ، واتبعني .فأتيت أبي فقلت :

- هذا الرجل يا أبه .

قال له أبي : ممن الرجل ؟

قال من العرب .

قال وما اسمك ؟

قال : منازل بن لاحق .

قال : وما شأنك ؟ وما قصتك ؟

 قال : وما شأن من أسلمته ذنوبه وأوثقته عيوبه ، فهو مرتطم في بحر الخطايا ! فقال له أبي : فاشرح لي خبرك .

فقال له : كنت شابا على اللهو والطرب لا أفتق عنه ، وكان لي والد يعظني كثيرا ويقول : يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته ، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد . وكان إذا ألحّ عليَّ بالموعظة فأوجعته ضربا ، حلف بالله مجتهدا ليأتين بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ، ويدعو عليّ ، فخرج حتى انتهى إلى البيت العتيق فتعلق بأستار الكعبة ، وأنشأ يقول :

يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا            عرض المهامة من قربٍ ومن بعدِ

إني أتيتك يا من لا يخيـب من              يدعوه مبتهلا بالواحـد الصمـدِ

هذا " منازلُ" لا يرتدُّ عن عققي              فخذ بحقي يا رحمانُ من ولـدي

 

وشـلّ منه بحـولٍ منـك جانبـهُ              يا مـن تقدّس لم يولـد ولم يلـدِ 

 قال : فوالله ما استتم كلامه حتى نزل بي ما ترى ، ثم كشف عن شقه الأيمن فإذا هو يابس ، قال : فأتيت ورجعت ولم أزل أترضاه وأخضع له ، وأسأله العفو عني إلى أن أجابني أن يدعو لي في المكان الذي دعا عليّ فحملته على ناقة عشراء وخرجت أقفو أثره ، حتى إذا صرنا بوادي الأراك طار طائر من شجرة فنفرت الناقة فرمت به بين أحجار فرضخت رأسه فمات فدفنته هناك ، وأقبلت آيساً وأعظم ما بي ما ألقاه من التعيير أني لست أعرف إلا المأخوذ بعقوق والده . 

فقال له أبي : أبشر فقد أتاك الغوث . فصلى ركعتين ثم أمره فكشف عن شقه بيده ودعا له مرات يرددهن فعاد صحيحا كما كان ." (1)

نماذج من عقاب الظالمين في الدنيا :

      وقد أعذر الله للظالمين بأن أنزل على أنبيائه كتبا ، وأرسل لعباده رسلا ، يحذرونهم عذابه ، وينذرونهم عقابه ، بآيات بينات محكمات ، وأحاديث شريفة واضحة ، لذلك فقد كان عذابهم ملموسا في الدنيا ، وشديدا في الآخرة .

زوال دولة :

    "  سئل رجل من دولة زالت عن سبب زوال دولتهم . فقال : مثله ما قال بزرجمهر : شغلتنا لذاتنا عن مهماتنا وقلّ عطاؤنا لجندنا فقلّ ناصرنا ، وجرنا على أهل خراجنا ، فدعوا علينا ، وطلبوا الراحة منا ، وأشدّ من ذلك أنّا استعملنا

صـغار العمـال علـى كبـار الأعـمـال فـآل مـلكنـا إلـى مـا آل ."(1) 

هلاك حاكم ظالم :

     " حكي أن امرأة صالحة كان لها دار بجوار قصر الحاكم ، وكان منظرها يشين جمال القصر . فسألها الملك أن تبيعه الدار ، فأبت أن تبيعها ، فانتظر حتى خرجت المرأة في سفر ، فأمر الحاكم بهدمها فلما رجعت المرأة من سفرها قالت : من هدم داري ؟ قيل لها : السلطان . فرفعت طرفها إلى السماء وقالت : ألهي وسيدي ومولاي . غبت أنا وأنت الحاضر ، وأنت للضعيف معين ، وللمظلوم ناصر . ثم جلست .    فخرج السلطان في موكبه ، فلما نظر إليها سألها : ما تنتظرين ؟ قالت : أنتظر خراب قصرك . فسخر من قولها وضحك منها . فلما جن عليه الليل خُسف به وبقصره . ووُجد على بعض حيطان القصر مكتوب هذه الأبيات :

أتـهـزأ بالدعـاء وتـزدريـه                ووما يدريك مـا صـنع الدعـاءُ

سهامُ الليـلِ لا تخطـي ولكـن                لـهـا أمـدٌ وللأمـدِ انـقضـاءُ

وقـد شـاء الإلـه بمـا تـراهُ               فـمـا للمـلكِ عنـدكـمُ بـقـاءُ

وهلاك ظالم آخر :

 "  و يحكى أن ملكا من ملوك بني إسرائيل عتا عليهم ، فانطلق نفر منهم إلى حبرهم واستأذنوه أن يخرجوا عليه . فقال لهم : ليس بأسيافكم ترجون أن تنالوا ما

تريدون . ولكن انطلقوا فصوموا عشراً وقوموا ولا تظلموا فيها أحدا ، ولا تطؤوا فيها امرأة ، فجاءوا بعد عشر .فقال لهم : زيدوا عشرا ، فلم يزالوا يزيدون حتى بلغوا الأربعين . ثم قال لهم : اجتمعوا وادعوا الله أن يكفيكم ففعلوا . فدعا الملك ببرذونٍ له ، وأمر سائسه بإسراجه فتشاغب وامتنع ، فغضب الملك وقام وأسرجه وركبه ، فجمح به حتى ألقاه فهلك . فقال لهم الحبر : هكذا افعلوا إذا أردتم أن تقتلوا من ظلمكم . "

دعوات للصفح والتسامح :

    ونظرا لشدة العقوبة التي أعدها الله للظالمين ، فقد دعا بعض ذوي القلوب الرحيمة المظلومين للصفح عن الظالمين ، واحتساب معاناتهم عند الله – سبحانه وتعالى لأنه هو الذي يجزل العطاء . فراحوا  يحثونهم  على الصبر والصفح ، ويؤكدون لهم بأن ما ينتظرهم من أجر عند ربهم – إن هم صبروا وصفحوا -  خير لهم من معاقبتهم لمن ظلمهم .

      قال الحجاج بن فرافصة : " من لم ينتصر من ظالمه بيد ولا بلسان ولا حقد فذاك علمه يقين ، ومن استغفر لظالمه فقد هزم الشيطان " .  وسمع ابن سيرين رجلا يدعو على من ظلمه ، فقـال لـه : أقصـر يـا هذا ، لا يربح عليك ظالمك "(1) 

    وسمع مسلم بن يسار رجلا يدعو على أخ له من أجل أنه ظلمه ، فقال لـه :

- يا أخي لا تدعُ على أخيك ، ولا تقطع رحمه ، وكله إلى الله ، فإن خطيئته هي أشدّ طلبا له من أعدى عدو له . " (1) 

    وذكر سالم بن أبي جعد أن سلطانا ضربه ، فجعلت امرأته تدعو عليه ، فقال لها : لا تدعي عليه ، فإن الدعاء قصاص ."    

   وعن أبي عبد الله الدمشقي ، قال : قال إبراهيم : من دعا لمن ظلمه فرق الشيطان من ظله ، ومن أحسن إلى من أساء إليه ، فبه تقوم الأرض ، ومن كان ذا عزّ وتواضع فقد علم عظمة الله . (2)     

    وهذا الإمام  الشـافعي ينصح المظلـوم بان يفوّض أمره إلى الله ؛  لأن الله سينتقم له من ظالمه ، وسيثيبه على صبره :

إذا ظـالمٌ استحسنَ الظلـمَ مذهبـا             ولـجَّ عتـُوَّاً في قبيـحِ اكتسابـهِ 

فكِلْـهُ إلى صـرف الليـالي فإنـها            ستدعي لـهُ ما لم يكن في حسابهِ

فكـم قـد رأينـا ظالمـا متمـرداٌ             يرى النجـمَ تيهاً تحتَ ظلِّ ركابِهِ

فعما قليـلٍ وهـوَ فـي غفـلاتِـهِ            أناخـت صروفُ الحادثـاتِ ببابهِ

فأصبحَ لا مـالٌ ولا جـاهٌ يُرتـجى           ولا حسـناتٍ تلتـقي فـي كتـابهِ

وجـوزي بالأمـرِ الذي كان فاعـلاً         وصـبَّ عليـهِ اللهُ سـوطَ عـذابِهِ

 

   ولكن مهما اتسع صبر المظلوم على الظالـم فإنه يجد نفسه أحيانـا مضطرا لطلب النصرة من الله لينصفه . وهذا غياث الدين المقريء يعبر عن هذه الحالة فيقول :

لقد عيلَ صبري دون ظلمكَ ليتني      أراكَ تقاسـي ما جنتـهُ يداكـا

أمـا أحـدٌ ينبيـكَ أنـكَ معتـدٍ      وأن إلــهَ العـالميـنَ يراكـا

    غير أن بعض الحكماء الفرسان قد دعوا إلى وجوب مقاومة الظالمين خصوصا إذا كانـوا من الدخـلاء المحتلين للأرض ، والناهبين لخيرات البلاد .

   وهذا محمود سامي البارودي يدعو المظلوم لمقاومة الظالم لأنه إن لم يفعـل فإنـه سيعيش حياته ذليلا محتقرا مسلوب الإرادة . يقول له:

إذا المرءُ لم يدفع  يـدَ الجورِ إن سطتْ            عليهِ فلا يأسف إذا ضاعَ مجدهُ

وأقتـلُ داءٍ رؤيـةُ المـرءِ ظـالمـاً             يسيءُ ويُتلى في المحافلِ ذكرُهُ

  ويسخر البارودي من المظلوم الذي يقبل الظلم ، ويجد لـذة العـيش في كنفه . يقول شاعر السيف والقلم :

علامَ يعيشُ المرْءُ في الدهـرِ خاملاً            أيفـرحُ في الدنيـا بيـومٍ يعـدُّهُ

يرى الضيـمَ يغشـاهُ فيلتذُّ وقعُـهُ              كذي جـربٍ يلتـذُّ بالحـكِ جلدُهُ

   ومن الشعراء الحكماء من يرفض الظلم ، ولا يقبل به ، حتى لو لاقى في سبيل ذلك الأمرين . يقول فارس بني عبس :

لا تسـقنـي ماءَ الحيـاةِ بـذلـةٍ            بـل فاسقني بالعـزِّ كأسَ الحنظـلِ

مـاءُ الحيـاةِ بـذلـةٍ كجـهنـمٍ             وجـهنـمٌ بالعـزِّ أفضـلُ منـزلِ

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz