مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

قراءة في المجموعة القصصية :

الخروج على وشم القبيلة 

تأليف : محمد حسن الحربي( الإمارات )

محمود طافش الشقيرات

 

     صدر أخيرا ، عن دار الكلمة في بيروت ، مجموعة قصصية ، من الجزيرة العربية موسومة بعنوان ( الخروج على وشم القبيلة ) للقاص محمد حسن الحربي ، والمجموعة تقع في ستين صفحة ، من الحجم المتوسط ، وتضم ثماني قصص هي على النحو التالي : عصافير الشتاء ، إنهم يطاردون العصافير ، التقرير ، ذلك الجانب الآخر ، حالة وفاة عادية ، الشارع الخلفي ، ولادة في عالم الاسماك ، هطيل والعفري .

          يقدم الكاتب لمجموعته ، بمقطوعة لمواطنه الشاعر عبد الله الصيخان ، يقول فيها :

تسافر في وجنتيك الحبارى

وتقتات همك كل الصقور

فيا قمرا بين شيخ القبيلة والفقر

قل لي :

متى الفجر يطلع على هذي البراري

     والمجموعة بوجه عام ، تتحدث بحرقة وألم عن جانب مظلم من جوانب الحياة في الجزيرة العربية .وهي تصور النقلة الحضارية التي احرزها شباب الجزيرة العائد من دراسته في الخارج .

     المجموعة تنتمي إلى المذهب الواقعي ، وتبدو لي وكأنها بنيت على أساس من يوميات طالب جامعي يدرس في فرنسا ، وخير ما يمثلها ، القصة الأولى ، عصافير الشتاء .

     سعود المغضوب ، شاب عربي من الجزيرة ، وجوديت ، فتاه فرنسية . ولأول وهله يظن القاريء ، أن القصة ليست أكثر من مواقف غرامية مثيرة ، بين شاب وفتاة ، في غرفة ضيقة ، في حي من أحياء باريس .

      وأسمعه يقول :

( خرجت من الحمام ، وهي تدندن ، قبلتني ... تعرت ووقفت أمام المرآة ، ثم بدت تقلب ملابسها ...)

    لكن ذلك الظن لا يستمر طويلا ، فما يلبث القاريء أن يصطدم بمثل هذه العبارة التي قيلت على لسان الفتاة :

( يجب أن لا تفكر في بلادك ، فأنت في فرنسا ، بلاد الحب ... )

      وتأخذ الكلمات تكتسي بطابع الجد ، وتبدأ الخصوصيات تتوالى ، ويبدأ الصراع يعتمل في داخل البطل . صراع بين الحاضر والماضي . بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون . الشاب مشدود إلى قيمه ، جسمه مع الفرنسية وفكره مع أهله ، يناضل للتخلص من واقعه .

    ولا يتوانى الكاتب عن الحديث عن خصوصيات مجتمعه بصدق وأمانه ، على الرغم من أن هذه الخصوصيات تبدو له مظلمة مؤلمة .

     ( هذه الفتاة تريد أن تعريني ، وأنا لا أريد أن أنشر ملابسي المرقعة على السطح ... تقول : عيد ميلاد ، وأنا الذي لا أعرف أين ولدت ، كل الذي أعرفه أن والدتي تقول : بأنها عندما ( ظعنوا ) من مكانهم في الصحراء ، إلى مكان آخر ، بحثا عن الكلأ والماء ، جاءها المخاض ، والقت بي تحت شجرة عرفج ... )

     ويتألم الشاب ، وهو جالس مع فتاته ، فالخواطر القاتمة تغزو رأسه ، ( أبي يمتهن مهنة المافيا الدولية ، ويريد أن يهرب أكياس الارز من الاردن ، ليبيعها بأسعار مضاعفة ، لدول تعاني نقصا في سوقها المحلية ، أنا ابن مهرب ... يقسو على أمي  ، وينكل بأولاده ، ولا يفوته فرض صلاة ، وله مكانته الاجتماعية ، كرجل فاضل ، بدوي لا يجيد القراءة والكتابة ... )

     ومن خلال توالي قصص المجموعة ، يلاحظ الدارس بيسر التوافق التام بين الاحداث والوجدان ؛ يبرز الحدث، ثم يغيب ليفسح المجال أمام الوجدان ليعبر عن نفسه ، ومن هنا لا يملك القاريء العادي إلا أن يطلق العنان لعاطفته .  أما القاريء الدارس فإنه يشعر بالارتياح أثر كل دورة كاملة ، يتناوب فيها الحدث والوجدان التأثير . كما تلمس التوافق أيضا ، بين أسلوبي التعبير . ويزيد الصورة روعة تلك الحياة التي يضفيها الحوار على المناظر . ويقرر الشاب العودة إلى بلده ، فتحاول الفرنسية أن تمنعه :

( أرجوك أن تبقى هنا ، ولنعالج  الأمر من خارج الدائرة . )

    ويجيبها : ( لا علاج من الخارج ، لا بد للمرء أن يدخل الدائرة ، يتعرف على أبعادها ، ويعيش واقعها ... )

     وتستمر الأحداث تدور ضمن الاطار الذي تنطلق منه الشخصيات إلى أهدافها كما حددها الكاتب ، لترصد خصوصيات مجتمع في فترة زمنية محددة وصعبة .

     وفي الوقت الذي يشعر فيه الكاتب بأن شخصياته ، عاجزة عن التعبير عن فكرة ما ، فإنه لا يتوانى عن الاستعانة بشخصيات من الخارج لتعبر عما يريد . ( يقول لي أحد أصدقائي المقربين جدا ، بينما كان في سيارته يقتات ببعض التمر ساعة الغروب ، فوجئ بأحدهم يمد راسه داخل السيارة ، ويسأله : ( ماذا تفعل ... ؟ ) فأجابه : ( آكل تمرا... ) فرد عليه الآخر : ( قل تعاقر تمرا ... ) فضحك صديقي ، فغضب الرجل ودوّن رقم سيارته ).

     وعلى الرغم من أن استعانة الكاتب بالشخصيات ، الخارجية ، قد تكررت في أكثر من موضوع في مجموعته ، إلا أن العناصر القصصية تبرز بوضوح ، والأمر الذي ساعد على إبرازها هو اعتمادها على التجربة المعاشة التي حرص الكاتب على تسجيلها بعناية .

     ويتكرر الخروج على وشم القبيلة في معظم قصص المجموعة ؛ نقد مر ، لكن بطريقة ذكية ، ففي الوقت الذي تشعر فيه أن الكاتب قد ذهب إلى أبعد مما ينبغي له ، تجد أنه لم يزد على أن انتقد واقعا مرفوضا  بطريقة بناءة بعيدة عن التجريح  وفي حدود القانون .

    ومجمل القول : أن مجموعة الخروج على وشم القبيلة ، تعتبر قفزة رائعة إلى الأمام ، تحققها الحركة الأدبية في الجزيرة العربية ، متجاوزة تلك المرحلة التي كانت تحمل طابع الوعظ والارشاد ، متخطية سمة المبالغة والتهويل التي كانت تتصف بها قصص تلك الحقبة . وقد استطاعت المجموعة أن تقتحم مجتمعا ظل مغلقا في وجه الفن القصصي حتى عهد قريب .

     كذلك فإنه يمكن اعتبار محمد حسن الحربي كاتبا مبدعا ، وذلك لأنه استطاع رصدصراع مرير ، يدور في المجتمع الذي ينتمي إليه ، مبرزا وجوب انتصار قوى التقدم ، واندحار قوى البغي والاستغلال .

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz