مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

قراءة في ديوان

الدالية                      

شعر طه عبد الغني (فلسطين )

محمود طافش الشقيرات

 

        صدر هذا الديوان عن المطبعة الاقتصادية في دبي ، يقع في 139 صفحة من الحجم المتوسط ، ويضم عشرين قصيدة مطولة .. والدالية هي المجموعة الشعرية الثالثة للشاعر طه عبد الغني ، إذ كان قد أصدر قبلها مجموعتين هما على التوالي ، أهزوجة السلاح ، والبراكين .

    قبل الخوض في محاولة دراسة هذا الديوان ، فإني أرغب في أن أسجل الملاحظتين الآتيتين :

- الملاحظة الأولى هي أني لا أحبذ النظر في هذا الديوان مستخدما المنهج الموضوعي في النقد ، ذلك لأن هذا المنهج يقوم على نظرية عامة عن الفنون وكيفية خلقها ، وعن أهداف تلك الفنون ، وعلى مبادئ فنية خاصة بكل فن ، واتخاذ كل ذلك أساسا للنقد ومقياساً للحكم .. وهذا الجهد الكبير لا يتسع له وقتي المخصص للنظر في كتب النقد الكثيرة . فهو محدود جداً ، كما أن طبيعة الديوان موضوع الدرس لا تحتمل ذلك . لذلك فقد رأيت أن يكون عنوان مقالتي "هوامش نقدية " وليس " دراسة نقدية " .

     أما الملاحظة الثانية ، فهي أني تأثرت فعلا بالمضمون الوطني الذي اشتمل عليه هذا الديوان ، والديوانان السابقان. والمنهج التأثري في النقد منهج معروف ومعترف به ، ولا يزال قائماً حتى الآن ، وسيظل قائماً حتى يرث الله الأرض ومن عليها .. وإن كنت مقتنعاً بأن التأثر وحده لا يكفي ، بل لابد من ذكر أسباب مفهومة وشواهد مقنعة وإني أرجو أن تكون الشواهد والأمثلة التي سأعرضها كافية .

      استهل الشاعر ديوانه الجديد بإهداء إلى " اليد التي ارتفعت مقاتلة أرتال الصهاينة والمارينز على جبل لبنان الأشم ، إلى المقاتل الذي خلّفها تنزف ، ورحل عنها وهو ينزف ، وحال لسانه يقول :

 

قولي لربك يوم حشر : ربنا

قاتلت عن دين هدم

قاتلت عن شعب ظلم

لأرد كيد المعتدي

ليسود دين محمد "

 

   وكان الشاعر قد عاهد جماهير أمته العربية على أن " يظل الشعر المقاتل مساره ، وأن يظل التعبير الصادق مصدر إلهامه " . جاء ذلك في مقدمة ديوانه الأول ، والذي صدر في الشارقة عن دار الخليج قبل ثلاث سنوات ، فهل استطاع الشاعر أن يفي بما عاهد عليه الناس ؟ وإن كان كذلك ، فإلى أي مدى ؟   إني ما زلت أذكر قوله في ديوانه الأول مخاطباً سلاحه :

 

أدافع فيك عن شرفي وعرضي                   وعن داري وعن أهلي وأرضي

غــداً للقـدس أزحف أمضي             أرد لها العروبــة بـــالسـلاحِ

 

     وما زلت أذكر قوله في ديوانه الثاني من قصيدته " الثأر القادم " :

 

ها قد أتيت يحاسب الاجرام والاوزار ثأري

ثأري يصيح : أنا ابن من قضمته أنياب الضواري

أنا نطفة الشهداء جئت أزف للدنيا انتصاري

 

     وها هو في ديوانه الثاني يهتف :

هـذي المجازر مهما اشتط سائسها            مهما بغى البطش أو سدوا لنا السبـلا

إنــا علــى العهـد نمضي لشائكها               حتــى نصيرهــا نحـو الحمـى ذلــلا

إن الــذي قال هذا الشعب اقعده                  سيــل المذابح ، كنه الشعب قد جهلا

هيهــات يعنو ، وفيه الطفل حمّله               عــبء القتــال أمـام الدرع ما جفلا

     إن النماذج الآنفة الذكر شعر وطني مقاتل بلا شك ، لكن ما مدى نجاح الأصول الفنية التي اختارها الشاعر واستخدمها لتحقيق أهدافه ؟ وما مدى النقلة التي احرزها الشاعر إبان رحلته الأدبية متنقلاً من ديوان إلى آخر من حيث اللغة التي استخدمها ، ومن حيث المضمون والشكل ، ومن حيث الهدف الذي يسعى إليه ؟ ثم ما مدى قيمة الجمال في الصورة الكلية لعمله الأدبي ، وفي صور تعبيره الجزئية لا باعتبار الجمال غاية في حد ذاته فحسب بل باعتباره أيضاً وسيلة فنية ناجحة في تحقيق الهدف الإنساني وفتح العقول والقلوب والنفوس له ؟

    إن الإجابة على هذه الأسئلة تقتضي القيام بإلقاء نظرة شاملة على الديوان بل على الدواوين الثلاثة ، لأن الكلمة النقدية - كما هو معلوم - أمانة ينبغي أن يتحرى قائلها الصدق قبل أن يدونها .. والنقد كما هو معروف هو فن تمييز الأساليب ، وتحديد الخصائص النفسية والاجتماعية والجمالية لكل كاتب أو شاعر فضلاً عن أسلوب تعبيره اللغوي . أو هو " تفسير وتقويم وتوجيه الأدبَ ومن هذا المنطلق أرجو أن يتسع صدر صاحب الديوان ، لسماع وجهة نظري المتواضعة ، والتي حرصت على أن أسجلها بتجرد وتحرر من كل هوى .

     إننا لو حاولنا أن نقوم شعر طه عبد الغني من خلال منظار نقدي حديث لوجدنا أنه مازال مرتبطاً بجمالية القصيدة الجاهلية وقيمها ، وليس لي على ذلك اعتراض ، فإن لكل شاعر وجهة نظره الخاصة ، وأسلوبه الذي يرتضيه في التعبير ، لكن هناك مقاييس فنية ولغوية لا بد له من أخذها بعين الاعتبار .

    ولقد استجاب الشاعر استجابة محدودة جداً للدعوة الرومانسية الوافدة إلينا من الغرب وذلك من خلال نظمه لعدد من القصائد المتحررة من عمود الشعر العربي القديم ، فكتب القصيدة المتحررة من القافية الواحدة ، ومن الأوزان القديمة أحياناً . لكنه والحق يقال ، لم يخرج خروجاً كبيراً على التقاليد الفنية الموروثة .

    ومن أبرز مظاهر الرومانسية في شعره حديثه عن الطبيعة في فلسطين ، وذكره لمختلف أنواع الأشجار والزهور فيها ص (71 ) :

 

يا عدو الزهر قل لي

من قرنفلة وفل

في الحقيبة ما البضاعة ؟

هل بها حلوى لطفل

هل بها أقراص نحل

قل لنا من أي باعة

هل بها حب السنابل

هل بها خفق الجداول

عازفا نهوى اتباعه

أم بها " عوزي " علينا

صب ناراً فاكتوينا

آخذاً منكم طباعه

أم بها " الملز " المدوي

ناثراً في كل جو

كل ألوان الفظاعة ؟

يا عدو الحب غير القتل لم تحسن صناعة

خارج لكن سأرجع

نحو سهلي سوف ارجع

طالباً منك انتزاعه ..

 

    فالشاعر شأنه شأن كثير من الشعراء العرب لم يلزم نفسه بمذهب أدبي محدد ، فتراه أحياناً يرسم صوراً تراثية وأحياناً أخرى يحاول أن يعبر من خلال رموز شفافة ، وتظهر في شعره بوادر رومانطيقية ، لكنه لم يحاول قط أن يعبر عن أفكاره من خلال المدارس الغربية المتطرفة كالسريالية مثلا .

     وأنت تقرأ للشاعر مقطوعات شعرية من ذلك النمط ، الذي يمكن أن نسميه شعر الحرب .. لكن بعيداً عن المعاناة الحقيقية 0لقسوة الحرب وويلاتها فتسمعه يتحدث عن أعمال بطولية ، مستخدماً " أنا الشاعر " دون مشاركة قتالية حقيقية . نلمس ذلك في قوله ص ( 8 ) :

 

إنــي ذكرتــــك عندمـــا                  كنــــا بخنـــدقنـــا معـا

لمـــــا تقـــــدم رتلهـــــم                 نحو " الشقيف " مدرعا

قلت اضربيهـــم يـا يدي                 فـــأجبــــت دون تردد

 

يـرمي الزحوف الخنصر                 يــردي الجموع البنصر

ويصيـــح أكبــــرهم :               عليهـــم شـــدد

 

لســــت أنسى عنــدما                    قــذفــوا تجاهي القنبلة

فـلقفتهـــــا ورددتهــا                   لتثــــير فيهــم زلـــزلة

 

     ويلاحظ الدارس بسهولة ويسر أن بعض المقطوعات تقوم على ندب الأرض الضائعة والتغني بالوطن السليب، يقول  ص (38):

 

تعال انظره حيث غــدا                   لغــازي أهلنـا سكنا

ومن دمع يسيل عليـــه                   فلنصنع لنـــا غضبـا

تميد له الجبــال تصــب                  فوق المعتــدي لهبــا

 

ومن دمع الصبايا الغيد                  بالفرســان تستنجد

نصوغ لقلبنـا المكسور                  جمر الحقد والمـوقـد

 

ومن تنهيدهــا البركان

ومن صيحاتها النيران

نقول لتلكم الأشباح والأرواح

نحن هنا

     وأحياناً نلاحظ وكأن الشاعر ، يريد أن يشعرنا بأنه يتمزق بسبب ما يحيط به من غربة وقلق ، وحنق ، ومؤامرات ، وشعور بعدم الاستقرار . يقول ص111 :

 

قد سألت العرب يومــا                   هل أنـــا يا عرب منكم

" هل صحيح ما رواه "                 بحركم عــني وعنكــــم

ضحكت أمواجهم مني          " وقالت لست أدري "

قيــل لي : إن ابن حيفا                   وابــن يــافـــا ليس منا

وابــــن غــــــــــزة ؟            وابـــــن قــــدســـــي

وابن " جرزيم " وغور                 هممــــات لـم أصدق

 

يــــا لتلك الهمهمات             يـــــا لتلك الترهـــات

أبعـدوني عن جذوري           حــــاربوني في شعوري

                            جــردوني التضحيات               همسهم ما كنت أدري

 

       وتبقى الحقيقة التي تبرز أمام الدارس لإشعاره وهي التزامه بالمضمون الوطني ، فهو بلا شك مقدر لمسؤوليته إزاء قضايا شعبه والأمة التي ينتمي إليها ، وهو دائب الحديث دون كلل أو ملل ، فأينما نظرت في الديوان تجد شعراً وطنياً ، ويعز عليك أن تعثر على بيت شعري واحد خارج نطاق الوطنية .

    والآن ما مدى اقتراب الشاعر من مفهوم الشعر الثوري ؟ ولكي نجيب على هذا السؤال لابد أن ندرك ماهية الشعر الثوري ..

       هناك عدة آراء طرحت حول هذا الموضوع ، اقنعني منها الرأي القائل بأن الشعر الثوري هو " الشعر الذي يتصدى للاستعمار الاجنبي ، ويبكي الشهداء الذين سقطوا في المعارك الوطنية والقومية أو الذي يتصدى من الداخل للاقطاع والعملاء والخونة " .

    ولنتتبع هذه السمات في شعر الشاعر ، إنه يتصدى للاستعمار الاجنبي وها هو يخاطب " ريجان " بعد نسف مقر المارينز في بيروت يقول :

 

" ريجان " لا !

أنا هنا

هذا هو التدمير

يعلن

ارحلوا عن أرضنا

في موقف

يدمي النواظر

والعيون الزرق يخسي

( ريجان ) كيف وجدته

( ميتران ) هل جربته

وشربتما من أي كأس .

 

        وإنه يتصدى للإقطاع والعملاء والخونة وتجد في الديوان أمثلة عديدة على ذلك .. وأخيراً فهو يبكي الشهداء ، وهذا شاهد على ذلك :

 

أخي كيف الحياة وكل من في الدار ينتحب

بكاها التين والزيتون

بكاها الشاطيء المحزون

بكاها الطل يبكي من على أشفارهم ذهبوا

بكى الحسون جرحانا

نعى الشنار قتلانا

 

     إن المضامين التي تحدث حولها الشاعر حتى الآن يمكن قبولها ، لكن الأسلوب الذي تناول به موضوعاته ليس من الجزالة في شيء ، حتى يبدو شعره - في مجمله - أقرب إلى النظم منه إلى الشعر ، وتغلب عليه الصنعة أكثر مما يغلب عليه الطبع ، وما كنت لأعلن هذه الحقيقة لو لم يكن هذا الديوان  هو الثالث من نوعه للشاعر .

      ويستعين الشاعر أحياناً بألفاظ تبدو للقاريء العادي وكأنها رمزية ، لكن هذه الألفاظ التي عدها الشاعر رموزاً لم تكن ذات دلالات محددة ، ولم يكن لها مفاتيح تقود إليها .. لهذا فإني أنفي وجود أدنى علاقة بين الرموز التي أشار إليها الشاعر  وبين المدرسة الرمزية المعروفة لأن للرمزية أصولاً تقوم عليها وخصائص تتسم بها .

     ولنأخذ مثلا لفظ " الدالية " وهو عنوان القصيدة التي استهل بها الشاعر ديوانه واتخذ اسمها عنواناً له : فإن الشاعر لم يوضح بالتحديد إلى أي شيء يشير بداليته !

    ولنستمع إليه وهو يقول في مطلع القصيدة :

 

في باب بيتي من سنين زرعت يا ابني دالية

شامية جيناتها

يمنية وجناتها

وجذورها التاريخ يضرب في العصور

الخالية

حلبيه في حمرة الخدين تبدو حالية

نجدية بأريجها

قدسية ببروجها

لجمالها هفت السهول جبالنا والرابية

عنقودها  كان الجمال

وكان حلوى للعيال

تعطي لهذا باليمين وذاك تعطيه الشمال

من تحتها الديوان يحلو

الصبح ثم العصر يحلو

في ظها كان الوصال لنا بربات الحجال

 

إلى آخر القصيدة ..

          وهنا يحق لنا أن نتساءل : عن أي شيء يتحدث الشاعر ؟

          هل هو يتحدث عن دالية حقيقية بدلالة عنقودها ؟

          أم يتحدث عن عروس بدلالة الوجنات والخدود الحمر ؟

          أم تراه يريد الحديث عن فلسطين بدلالة البروج القدسية ؟

 

أم لعله يشير إلى القومية العربية بدلالة شامية ، يمنية ، حلبية ، نجدية ، قدسية .. الخ . ثم إن ضعف الأسلوب ، وعدم ترابط الأفكار يبدو جلياً في هذه المقاطع الثلاثة المختارة من القصيدة ؛ ولننظر إلى المقطع الأول ، فقد أراد الشاعر أن يعبر عن أصالة الشعب الذي ينتمي إليه ، لكن التوفيق لم يحالفه فيتوخى الدقة في التعبير ، وغلب على المقطع المشار إليه آنفاً الحشو الذي لا مبرر له ، فإن الكلمات التالية "سنين، والتاريخ ، والعصور الخالية " تكاد تكون قوالب متكررة ، وأوعية جاءت مفرغة من معانيها . كذلك ، انظر إلى قوله " لجمالها هفت السهول جبالنا والرابية " إنه يريد أن يتحدث عن سهول وجبال وروابي فلسطين ، لكن عبارة الشاعر لم توضح ذلك بدقة ، فإن ظاهر الكلام في التركيب اللغوي يفيد بأن جبالنا والرابية " بدل " من السهول ، وهذا غير جائز لأن المعنى لا يستقيم بسبب التضاد الحاصل بين السهول والجبال . لكنه يقصد عطف الجبال والرابية على السهول ، وهذا تعبير ضعيف .. ثم ، أو ليس في فلسطين إلا رابية واحدة حتى قال " الرابية " ولم يقل الروابي ؟ لا أظن أن الشاعر يجهل ذلك ، لكن أراد أن يستقيم له الوزن ، وأن تنقاد له القافية بأي ثمن فكان الشاعر أسيراً لأوزانه وقوافيه .

    إن الشاعر بلا شك يريد أن يتحدث عن الوطن وعن جذوره الضاربة في أعماق التاريخ ، وقد تحركت عاطفته قليلاً في محاولة لجعل هذا الموضوع الذي يرنو إليه جزءاً من تجربته الذاتية .. فإلى أي مدى وفّق الشاعر في الحديث عن تجربته هذه ؟

      لقد حاولت أن أستشف الحالة النفسية للشاعر ، وأن أتعرف على العاطفة التي أملت عليه كلماته ، وعلى المضامين التي كانت هذه الكلمات أوعية لها ، وعلى مدى صدق هذه العاطفة في الحديث عن تلك المضامين ..

    إن مضمون الحديث يدور حول فلسطين ، فهل أراد الشاعر أن يتباهى بتاريخها العريق ؟ أم أن يهيم بجمالها الأخاذ ؟ أم أن يفخر بعطائها المستفيض .. أم لعله يتحسر على جلسات الوصال بربات الحجال وهو يتفيأ الظلال الوارفة .

      لقد كانت عاطفة الشاعر فاترة بدليل أن الصفات الجديدة التي تخليها للدالية لم تكن متناسقة ، وتنم عن جدب في الخيال ؛ لأن الخيال لا يمكن أن ينشط إذا لم تحركه عاطفة فياضة .

     وانظر إلى قوله :

عنقودها كان الجمال

وكان حلوى للعيال

      وهكذا لم يجد الشاعر مظهراً من مظاهر الجمال يستعيره لعنقود العنب إلا قوله " حلوى للعيال " .. أفلا استعار بعض صور ابن الرومي في وصف حبات العنب ، فلربما اسعفه الخيال بصورة أدعى للقبول من صورة " حلوى للعيال " لقد كانت الصورة تعبر عنها .. وإلا فما الذي جعل عنقود العنب يبدو لشاعرنا كحلوى للعيال .. بينما رآه شاعر آخر جواهر تقرط آذان الحسان ؟

      وإني اتساءل بإلحاح : ما الذي جعل الشاعر يقبل تضمين شعره مثل هذه الصورة الساذجة ؟ إني لا أجد له غير جواب واحد ، وهو عدم التأني ورغبته الملحة في الظهور كشاعر مكثر ، إنه يهتم بالكم أكثر من اهتمامه بالكيف ، وهو يريد أن يدفع إلى المطابع بأكبر عدد من الدواوين بغض النظر عن القيمة الفنية لهذه الدواوين .

    لقد استطاع الشاعر أن يصدر خلال السنوات الثلاث الماضية ثلاثة دواوين شعرية بمعدل ديوان في كل عام ، فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن  أصغر هذه الدواوين حجماً يشتمل على أكثر من عشرين قصيدة مطولة ، أدركنا بأن الشاعر ينظم أشعاره وكأنه يغرف من بحر .. لكن ، هل الإكثار من نظم القصائد يعتبر وحده دليلاً كافياً على فحولة الشعراء في كل الأوقات ؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف نفسر ما كان يقوم به الشاعر العربي الكبير زهير بن أبي سلمى الذي كان ينظم القصيدة الواحدة ثم يظل يعيد النظر فيها حولاً كاملاً مقوماً ومقيماً ، حتى عرفت قصائده بالحوليات .

    نحن لا نعترض على أن يكون الشاعر طه عبد الغني غزير الانتاج ولكن من حقنا عليه أن نطالبه بجودة العطاء، لأن البقاء والخلود دائماً للأعمال الجيدة ، أما غير ذلك فإن مآله إلى الزوال .

    إن للشاعر أبياتاً جزلة وله أيضاً مقطوعات سليمة لكنني أجزم بأن معظم قصائده تشتمل على بيت أو أكثر يتسم بضعف في التعبير ، وما كان يضير الشاعر لو أخرج لنا ديواناً واحداً متميزاً بدلاً من ثلاثة دواوين ؟


 

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz