مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

 

النجديات          

 أشعار: عبد الفتاح كواملة (فلسطين )

محمود طافش الشقيرات

 

    أُهدي إلى مكتبتي أخيراً ديوان شعر هو باكورة إنتاج الشاعر عبد الفتاح كواملة . والديوان صادر عن مكتبة " التوفيق " في عمان ، ويحمل اسم " النجديات " ويقع ( مع ما ألحق به من نثر ) في 384 صفحة من الحجم المتوسط .

    يفتتح الشاعر ديوانه بإهداء يعود بك مئات السنين إلى العصر الجاهلي فالقسم الأول منه مهدى إلى " سهوب ضرما ، وكثبان الغطغط ، وسفوح طويق ، وشعاب ديراب ، وهضاب بنيان ذات الشخاريب والنخاريب . " وأسماء كثيرة في جزيرة العرب كلها من هذا القبيل .

    وبعد الإهداء يثني الكاتب الشاعر بمقتطفات من أقوال العقاد في الشعر ونقده ، اذكر منها قوله " وصفوة القول ، أن المحك الذي لا يخطئ في نقد الشعر هو ارجاعه إلى مصدره ، فإن كان لا يرجع إلى مصدر أعمق من الحواس، فذلك شعر القشور والطلاء . وإن كنت تلمح وراء الحواس شعوراً حياً ، ووجدانا تعود إليه المحسوسات ، كما تعود الأغذية إلى الدم ونفحات الزهر إلى عنصر العطر ، فذلك شعر الطبع القوي والحقيقة الجوهرية " .

      وتلى رأي العقاد مقدمة تعريف بالشاعر صاحب الديوان ، كتبها قبل سنتين من صدوره أستاذ ه محمد محمود العزه ووصفه فيها بأنه " أكثر من نابه .. على الرغم من أن الناظر إليه يحسبه بادئ الرأي أقل من ( متوسط ) في قدرته على الوعي وتحصيل المعرفة " .

      ثم تلى الأستاذ العزة مقدمة طويلة بقلم صاحب الديوان ، وتقع في أكثر من ستين صفحة ، وهي أكثر قيمة أدبية من الديوان نفسه ، وقد سماها " بين يدي النجديات " وضمنها عبارات حارة ، قراءتها ممتعة ، تنم عن تمكّن صاحبها من ناصية البيان وعن إعجابه بطه حسين وأيامه وتوفيق الحكيم ويومياته والجاحظ وبخلائه ، وبعملاقي الشعر العربي أبي الطيب وأبي العلاء . ويحمل فيها على الكتب المدرسية ومؤلفيها ، ويقول " انظر في هذه الكتب المدرسية  التي وضعت لتعليم التلاميذ لغتهم ، فماذا ترى ؟ ترى قمامة الشعر  نظما مسفا باردا  وذلا مقررا على التلاميذ ليحفظوه عن ظهر قلب ، يضاف إلى هذا النظم نثر غير فني ، أشبه بكلام الجرائد اليومية فهذا المزيج السام  يقدم على أنه غذاء شهي لهذا الزرع الذي يترعرع بين أيدينا في المدارس .

    وتبلغ ثورة الكاتب ذروتها على واضعي الكتب المدرسية ، في الدول الخليجية عندما يقول " فهذه المواضيع تفصل تفصيلا "  ولا تلقى جاهزة ، ومن ثم كان " أصحاب الشغل " في حاجة إلى تفصيل أحذية صيفية تصب فيها أذواق الأطفال وعقولهم ، فتنمو في تلك الحدود فقط " .

    ويحمل الكاتب على البحوث والباحثين ويتحسر على الحبر الضائع ، ويرى " أن هذه البحوث لن تغنيك عن تذوق الأدب ، ولن تهبك ملكة النقد ولن تهز قلبك بهذا الرذاذ المحيي الذي تستحم به القلوب عندما تتعرض للأيام أو شجرة البؤس " .

    ويتساءل الكاتب " وكيف نطمع في أن تصنع كتب البحوث شيئا من ذلك وأكثرها مكتوب بأسلوب سقيم؟" ويضيف " والحقيقة أننا لا ندعو إلى إصلاح كتب البحوث ، وإنما ندعو إلى إلغائها من مجال الحياة الجامعية " .

    وفي مقدمته يأتي الكاتب على ذكر أخطاء وقع فيها بعض الأساتذة والباحثين ، ويتعرض لظاهرة غياب المعلمين ويحمل على الدراسة بالإنتساب ، ويتحدث عن مرحلة الشك واليقين ، وعن استيراد البضائع ، والأفكار ، وعن الحب والرغبة بلهجة لا تخلو من سخرية مرة .

    والكاتب يعتقد أن الزمان لم ينصفه ، فلم يتبوأ المكانة اللائقة به ، وهو في حملته على مقرري الكتب المدرسية في الدول الخليجية لا أظنه ينطلق من مجرد غيرته على مستقبل التلاميذ ، ومصلحتهم ، بل لأن أولئك المقررين انصرفوا عن الأدب الرفيع ، الذي منه أدبه ، وهو يذكر ذلك صراحة حيث يقول : " هذان مقالان نثريان .. فأما الأول ، فأرجو أن أذود به عن اللغة العربية في أقطار جزيرة العرب .  وأما الثاني فهو هدية إلى تلاميذي في سلطنة عمان ، وعسى أن يجد طريقه إلى كتب القراءة العربية في مناهج الدراسة .. وهذا ضعف فليس يليق بالأديب أن يعرض بضاعته وخاصة على " أصحاب الشغل " الذين أشبعهم سخرية في مقدمة الكتاب ، ومع ذلك فانا أوافقه في كثير من جوانب حملته على المناهج وواضعيها ؛ لأنها فعلا كما قال .

     ويؤخذ على الكاتب في مقدمته ، أنه في الوقت الذي يورد فيه أمثلة لأدباء كبار ، يتحدثون عن أنفسهم بضمير المفرد ، يتحدث هو عن نفسه دائماً بضمير الجمع ، يقول " والآن وقد أشرفنا على نهاية الحديث ، نأمل ألا يظن بنا القاريء الإدعاء والغطرسة أو المباهاة والخيلاء " .

    وينهي حديثه قائلاً " فأما بالقياس إلى ما مر بك من النقد عامة ، والنقد الأدبي خاصة ، فما بنا إلا الأسى والأسف لما وصلت إليه الحال ، وأما بالقياس إلى الشعر فنحن أدنى إلى التواضع .. أما القسم الثاني فلا نستبدل به شيئا  لأنه خفق الفؤاد ، ودموع العينين ففيه روائع الشعور إن أعوزته روائع الشعر " .

     وبعد أن ينتهي الكاتب من مقدمته النقدية اللاذعة ، يورد ملحقاً مقتبسا من كتاب " آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة " يعزز فيه ما رمى إليه .

     ثم يورد الشاعر أشعاره المسماة " بالنجديات " وهي قسمان : يفتتح القسم الأول بـ " آهة " فيقول :

 

آه مـا أضيـــــع أيامــــي            ماأعقــم عمــــــري

إن عمــري خطوات تهــن         فـي صحــراء قفــــر

 

    ويشتمل القسم الأول على أربعين قصيدة نظمت في مختلف أغراض الشعر العربي ابتداء بالتحسر وانتهاء بالفخر ، واذكر منها : الحنين إلى نجد ، تحية ووداع ، المطر ، أم كلثوم ، وهي قصائد ترتقي إلى درجة الجودة.

    ويشتمل القسم الثاني على سبع وأربعين قصيدة يستهلها بـ " تردد وإهداء " ثم قصيدة " في البدء " والتي يقول في مستهلها :

 

               ثويت زمانـــا لا تحن ولا تصبو                فمـاذا دهـاك اليـــوم يا أيها القلــب

      أمـا كنت قفرا مجدبا مـن صبابة         وهل يرتجي أن ينبـت الروضـة الجدب

        وكنت ترى سرب الحسان كأنمـا               بدت لـك في عـرض الفلا إبل جـرب

 

             وتغلب على الشاعر في كثير من قصائده مسحة من الحزن الظاهر ، يقول :

 

لا تلمنـي يــا أخــي                  إن فـاض باللوعة شعـري

لا تلم إن سال جـرحـا                 داميا في كـل سطــــــر

إن ما بين ضلوعـــــي               يـا أخـي وقـــدة جمــــر

 

    وإن كان الشاعر لا يذكر لنا شيئا عن سبب حزنه ، غير أني أرى أن مرد ذلك لسببين ؛ أولاهما شعور الرجل بأن زمانه لم ينصفه وثانيهما أنه لم يبلغ شيئا مما يصبو إليه .

     ومن حيث الألفاظ ، يميل الشاعر إلى استعمال الألفاظ الغريبة فلو تأملنا قوله :

 

أطلـت عليـك من الأطلس                فيـا حـور المقل النعس

اضرمنا هنا وسفوح الطويـق               وكثبان غطفطك الأملس

وديراب تفضي إليها السيـول                 وديراب في حمـم رمـس

 

       لوجدنا أنفسنا أمام قصيدة جاهلية من حيث البناء والألفاظ وأسماء الأماكن . ويؤخذ على الشاعر أنه جمع في ديوانه كل أشعاره ، غثها وثمينها حتى تلك التي قالها في مرحلة التقليد ، وإن كان من الممكن أن يتشابه شاعران في الحديث عن فكرة معينة فيعزى ذلك إلى توارد الأفكار والقوافي ، فإنك ما تكاد تقرأ القصيدة من كثير من قصائده حتى يتبادر إلى ذهنك مثيلتها لهذا الشاعر أو ذاك  ؛ خذ مثلا قصيدته التي يقول فيها :

 

لـولا الحيــاء لغاظـه استئثـار          ولزار بيتك والبيوت تزار

          وانظر قصيدة جرير التي مطلعها :

                     لولا الحياء لها جني استعبار                     ولزرت قبرك والحبيب يزار

 

   وعندما تقرأ قصيدته التي يقول فيها  :

                  ولست بسال ما حييت فإن أمت             أكن كجميل أي شهيد غرام

   فإنك تذكر قول جميل :

               أهيم بـدعد ما حييت فإن أمت           فواسفا مـن ذا يهيم بها بعدي

 

    ولقد ذكرتني ميميته التي يقول فيها :

لقد مـللت وجـوداً كله عبثا      وشاقـت النفس حالا كلها عدم

          بميمية المتنبي التي يقول فيها :

أعيذها نظرات منك صادقـة         أن تحسب الشحم فيمن تحمه ودم

 

       هذه الظاهرة تجعل شخصية الشاعر تغيب أمام شخصيات الشعراء أصحاب القصائد المشار إليها ، ويشفع للشاعر أن معانيه تختلف . ورغم أن الشاعر كان صادقا مع نفسه في معظم قصائده إلا أنه يفتقر إلى العاطفة الصادقة في بعضها وتأمل قوله :

 

أحبك يا صحراء لا المال ابتغي                  بوصلك مكنوزا ولا عيشة خفضا

 

       وبعد أن يخبرنا بأنه نثر على رمال الصحراء بضع عشرة حجة من عمره يقول مخاطبا أصحابه :

فمن كان منكم للريالات عاشقا                   فإني أحب الناس والنخل والأرضا

          ومجمل القول في قصائد الديوان أنها جيدة ، ومجمل القول في صاحبها أنه واسع الاطلاع متدفق العاطفة متمكن من ناصية البيان .

 

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz