مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

 

النزعة الوطنية                   عبد الرحيم محمود (فلسطين )

محمود طافش الشقيرات

      الشعر العربي الفلسطيني واحدة من أدوات المقاومة الفلسطينية بوجه خاص ، والنضال الوطني العربي بوجه عام ؛ فهي  تحفز الهمم الأبية للتضحية في سبيل الحق السليب ، وللبذل من أجل الدفاع عن العقيدة والوطن . وما فتئت تؤرق أجفان العدو بما أوتيت من قوة تأثير في أوساط الجماهير . ولعل أبرز الشواهد على ما نرمي إليه  تلك الانتفاضة الشعبية العارمة التي أثارها الشاعر إبراهيم طوقان في قصيدته " الثلاثاء الحمراء "  وذلك الدور الفريد الذي لعبه الشاعر عبد الرحيم محمود في إشعال فتيل الثورة الفلسطينية الكبرى في أواسط العقد الثالث من هذا القرن .

      تربى الشاعر عبد الرحيم محمود في أحضان مدرسة " النجاح الوطنية " بنابلس ، ونهل من معينها الصافي حب العرب والعروبة .. وتتلمذ للشاعر إبراهيم طوقان فحبب إليه الأدب والأدباء ، واضرم في قلبه جذوة الوطنية والثورة ، ووجهه للتغني بإمجاد شعبه وأمته :

 

شعب تمرس في الصعاب               فلم تنل منـه الصعـاب

                         متمـرد لم يـرض يومـــا                       أن يقـر علـى عـذاب

والنار تضمن والحديــد                  لمن تسـاءل أن يجــاب

                        كلمهـما فيمـــا تــريـد                           ففيهما فصل الخطــاب

                        حييت من شعب تخلـد                         ليس يعـروه ذهـــاب

 

     عاش شاعرنا زهرة شبابه إبان الثورة العنيفة الشاملة التي شهدتها الأراضي المقدسة في الثلاثينيات ، والتي انبثق عنها جيل من المناضلين المثقفين الذين كانوا يدركون بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ؛ لذلك فقد حاربوا بالسلاح والكلمة ، فجعلوا من أشعارهم تسجيلا واقعيا لكل المعارك والمواقف القومية التي جرت على أرض فلسطين .

     ويستطيع الباحث الأدبي الدارس لأشعار عبد الرحيم محمود أن يلاحظ بأن الشاعر ينطلق عند نظمه لقصائده من تجربة وطنية صادقة ، مستمدة من بيئته الفلسطينية التي ترزح تحت نير الاحتلال الغاشم ، بدأها بما نهله في مدرسة النجاح ، وغذاها باستقالته من عمله ثم بالتحاقه بقافلة المناضلين الشرفاء ، وأنهاها نهاية سعيدة صادقة باستشهاده على ثرى وطنه الحبيب إلى قلبه .

     وهكذا جاءت قصائده الوطنية ذات طراز خاص ؛ لأنها تنبعث من تجربة خاصة لا يمكن لها أن تنسى .. تجربة حقيقية معاشة إلى أبعد الحدود .. تجربة تألقت طيلة فترة عمره القصير ، وصحبتها مشاعره وأحاسيسه الوطنية المتدفقة ، فتبلورت قصائده واضحة ذات مضامين وطنية شامخة لا ينازعها شيء .. قصائد تستند على تجربة نابضة بالحياة ، وعلى معاناة  حقيقة نمت وترعرت في قلب مبدعها ، حتى غدت قطعة من حياته النفسية والعقلية .

          يقول  الشاعر :

 

دعــا الوطن الجريح إلى الجهاد                 فخــف لفــــرط فــــرحتـــــه فـــــــؤادي

وسابقـــت النسيم ولا افتخار           أليــس علــــيّ أن أفـــــدي بــــــــــلادي

 

   حملت على يدي روحي وقلبي                  ومــــا حملتهــا إلا عتــادي

وقلت لمن يخاف من المنـايــــا                  أتعزف من مجابهة الأعـــادي

أتقعد والحمى يرجوك عونــا           وتجبن عن مصاولة الأعـادي

فدونك خدر أمك فاقتحمـه                وحسبك خسة هذا التهادي

فللأوطـان أجنـــاد شــــداد               يكيلون الدمــار لأي عـادي

 

      والشاعر  يتناول موضوعاته بأسلوب سهل واضح ، وبعبارة صريحة مستوية ، وهو يحسن اختيار الألفاظ وعرضها في نسق صوتي تنبعث منه موسيقى واضحة تلائم طبيعة الموضوع الذي يطرقه . كذلك فإن الشاعر يولي موسيقاه عناية خاصة ، وتتضح هذه الظاهرة في التكرار الصوتي الذي يحققه بالتزامه القافية الواحدة ، والبحر الواحد ، وبالتركيز على حروف معينة ، كما أنه يستعين بالمحسنات البديعية كالجناس والطباق وغيرهما . يقول :

 

سأحمــل روحــي علـــى راحــــتي              وألقــي بهــــا في مهـــاوي الردى

فــإمـــــا حيــــاة تســر الصديــق                وإمــــا ممـــــات يغيــــظ العـــدا

ونفــــس الشريــــف لها غايتــان               ورود المنــايــــــا ، ونيـــل المنــى

 

    وللشاعر عبد الرحيم محمود قاموسه اللغوي الخاص به .. قاموس تغلب عليه الصفة الكلاسيكية ، وهو ذو ألفاظ شعرية ذات دلالات موحية بالغضب والعنف والقوة ، تناسب الموضوع الوطني ، وتثير النخوة في عروق الرجال ، وتلهب الحماس في النفوس الأدبية . كذلك ، كان تأثيرها واسعا على العامة بسبب رصيد الشاعر الضخم من الفهم للحياة . وهكذا جاءت لغته عاطفية ، غنية ، يعبر بها عن حياته  وعن بيئته المحلية ، ومشاكلها السياسية بقوة ، مضيفا بذلك إلى خبرات قارئه خبرات جديدة بما ينقله إليه من حقائق مطلقة . يقول :

 

تـــلك الأوطـــان وهــــذا وسمهــ ـا    فـــي سويــــداء فـــؤادي محتفـــــر

يتـــــراءى لــــي علــــى بهجتهـــا              حينمـــا قلـــبت فــي الكون النظر

في ضيــــاء الشمس في نــور القمر           في النسيم العذب ، في ثغـــر الزهر

في خرير الجدول الصـافــي وفــــي             صخب النهـر وأمــــواج البحــــر

في هتون الدمع مــن هـول النــوى             في لهيب الشـوق فــي قلـبي استعـر

دقة النـاقـوس معنــى لاسمهـــا                 واسمهــا معنــى تسابيـــح الـزهر

 

     ويستطيع الدارس المطلع على قصائد عبد الرحيم محمود الوطنية أن يلاحظ بسهولة ويسر ، أنها تقوم على صورة مستمدة من مشاعره الوطنية المتدفقة .. صور ذات طابع خاص ، وجمال أخاذ ، يغذي الأفئدة ، ويمتع النفس .. صورة تمثل حياته العزيزة ، وعواطفه السامية ، وخوالج نفسه الأبية ، ومكنونات قلبه الكبير ، فانظر قوله :

 

سأحمــل روحي على راحتي            وألقي بها في مهاوي الردى

وتأمل معي قوله :

بقلبي سأرمي وجوه العداة              وقلبي حــديـد وناري لظى

 

       أي صورة أروع وأقدس وأشرف من هذه الصورة ؟ إنها صورة مبتكرة ، واضحة  لا لبس فيها  ولا غموض ، تثير فينا خواطر وجدانية  متعاطفة مع الشاعر ، ومقدرة لموقفه الوطني . وهكذا جاء خيال عبد الرحيم محمود خصيبا ، مصورا للتضحيات التي قدمها الشعب العربي الفلسطيني ، والبطولات التي قام بها .

 

لعمـرك إني أرى مصــرعـــي                    ولكــن أغـذّ إليــه الخطـى

                أرى مقتلي دون حقي السليب                  ودون بــلادي هــوالمبتغـى

 

    وهكذا فإن الطابع الوطني يغلب على شعر عبد الرحيم محمود  على الرغم من أنه أبدع شعرا في مختلف الموضوعات التي تهم الناس من حوله ، فنظم في الشؤون القومية والسياسية والاجتماعية والانسانية ،كما أن له منظومات أخرى قليلة ذات صبغة تأملية ، وأخرى تغلب عليها النزعة الذاتية . وقد وظف موهبته الشعرية في الحديث عن آلام وآمال أمته وشعبه .

      ويمتاز شعر عبد الرحيم محمود الوطني بصدق العاطفة التي تنم عن مدى عشقة لوطنه ، وقد جسد هذه العاطفة الوطنية الصادقة بتخليه عن مورد رزقه الوحيد طائعا مختارا ، وبالتحاقه بمواكب المجاهدين ، وتوجها لنيل الشهادة في معركة الحرية والشرف .

     وكان شعر الرجل سجلا حافلا بالاعمال البطولية التي نهض بها أبناء المقاومة العربية ، لذلك كان لشعره وظيفة ثورية اجتماعية . وكانت قصائده بمثابة رسائل نضالية موجهة إلى أبناء أمته العربية .

 

لعمـــرك هـــذا ممــــات الرجـال                 ومــن رام مــوتـا شريفــا فـذا

فكيف اصطبــاري لكيــد الحقود                 وكيـــف احتمــالي لسـوم الاذى

بقلــبي ســأرمي وجـــوه العـداة                   وقلــبي حــديـــد ونـــاري لظى

 

     وتبرز النزعة الخطابية الصريحة بوضوح في معظم قصائده الوطنية فتراه يحث الناس على الاتحاد ، ويرغبهم في الجهاد وفي التصدي للأعداء .وها هو يقول :

 

  بني وطني دنــا يـــوم الضحايـــا                 أغــر علـــى ربـــى المعـــاد

    فمــــن كبش الفـداء سوى شباب              أبـــي لا يقيــم علـــى اضطهاد

  ومــــن للحـرب إن هاجت لظاها               ومــن إلاكــــم قـــدح الزنــاد

فســـيروا للنضـــال الحــق نـــارا               تصــب علــى العدى في كل واد

فليس أحــط مـــــن شعب قعيـد                  على الجلى ومـوطنــــه ينــــادي

 

     وقد نظم الشاعر قصائده في الاطار العمودي التقليدي الذي كان سائداً آنذاك الأمر الذي يعتبر معلما من معالم المحافظة على الشخصية العربية التي كان العدو يعمل جاهدا لطمسها .

     وتأثر عبد الرحيم محمود بالشعراء الأقدمين واضح في استخدامه للعبارات ذات الألفاظ الاسلامية وفي صياغته لها بأسلوب سلس . ومن أبرز الأمثلة على ذلك قوله :

                 كــل قـلب لـك فيه مصحف                   فيـه مـن ذكـراك قرآن مجيـد

                سور قــد فصـلـت آيــاتهـــا                         لم تزل تتلى على الدهــر الأبيد

 

          وهو متأثر بمن سبقه من فحول الشعراء ، ونلمس ذلك بوضوح في قوله :

 

واستنصر العرب الكرام وإنهم                  غوث الطريد ونصرة المستنصر

 

               حيث يبدو تأثر الشاعر واضحا بأبي الطيب في قوله :

 

وبهم فخر كل من نطق الضاد       وعوذ الجاني وغوث الطريـــد

 

    وفي ذلك أيضا قوله :

وأحمي حياضي بحد الحسام     فيعلم قومـي بــأنــي الفتى

 

           وكان طرفه قد سبقه إلى نفس المعنى حين قال :

 

إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني               عنيت فلم أكســـــل ولم أتبلـــد

 

    وكأني بالشاعر عبد الرحيم محمود كان يعلم ما ينتظر شعبه ، وما سيحل ببلاده بعد وفاته  من تدنيس العصابات الصهيونية لقدسها ، ومن احتلال المستعمرين لأراضيها ، وطردهم لأهلها ، وها هو في قصيدته التي ألقاها مرحبا بزيارة الأمير سعود بن عبد العزيز للحرم القدسي يتنبأ بذلك ، ويقول :

   نجم السعود وفي جبينك مطلعه       أني توجــه ركـب عــزك يتبعه

والقوم قومــك يا أمير إذا النوى       فرقته آمــال العروبــة تجمعـــه

                المسجد الأقصى أجئت تـــزوره    أم جئت من قبل الضيـاع تودعه

 

   وظل الشاعر يذود عن حماه المنكوب  بفكره وببندقيته حتى وافاه الأجل المحتوم ، فالتحق بقافلة الشهداء الأبرار الذين ضمخوا ثرى الوطن الطهور بدمائهم حين اغتالته يد الردى وهو في ريعان الصبا ، وسقط في معركة الشجرة الثانية مساء الثالث عشر من تموز سنة ألف وتسعمائة وثمان وأربعين بعد أن نال ما تمنى وأحرز ما يغيظ به العدا.


 

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz