مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

 

قراءة في ديوان :

النقش في الظلام         

شعر هارون هاشم رشيد ( فلسطين )

محمود طافش الشقيرات

 

يـــا أحبــــاي في زمـــان التردي                يكثـــر القــــول يكثر الافتــــاء

في زمـان الصغار ينتصب الخفاش             والبـــوم يعلــــو والببـغـــــــاء

في الزمــــان الرديء تعمى عيون              وقـلـــــــوب ، وتُشـــــترى آراء      

 

      بهذه الابيات تبلغ نقمة الشاعر هارون هاشم رشيد ذروتها على الوضع المأساوي الذي يتخبط فيه الشعب العربي عامة ، ويقاسي مرارته الشعب الفلسطيني خاصة ، والذي اطنب في الحديث عنه من خلال ديوانه الجديد "النقش في الظلام " ، والذي صدر مؤخرا عن دار الكرمل في عمان .

      يقع الديوان في تسعين صفحة من الحجم المتوسط ، ويضم إحدى وعشرين قصيدة ، يغلب عليها الطابع الوطني ويشيع في ثنايا معظم أبياتها نغمة من الحزن تنم عن صدق انتماء الشاعر لقضيته ، وعن معايشته لواقعه .

    من حيث الشكل ، فإن قصائد الديوان مزيج من الشعر العمودي والحديث ، حيث يرسل صاحب الديوان أشعاره  متوخيا الوضوح التام في كل ما يرمي إليه ، ضمن ألفاظ سهلة ، مكثرا من استخدام القوافي التي تناسب نغمة الحزن والأنين ، وعلى وجه الخصوص  قافيتي النون والهمزة ..

      أما من حيث المضمون فإن المجالات التي طرقها الشاعر تشتمل على أغراض متنوعة من أبرزها ، الحديث عن فلسطين والفلسطينين ، وهذا الغرض يستحوذ على معظم قصائد الديوان .. كيف لا ، والشاعر الذي ينتمي إلى هذا الشعب قلبا وقالبا قد تفتحت عيناه على الحياة ، وأبناؤه يذبحون ويطاردون ، ابتداء من مجزرة دير ياسين ، وانتهاء بمجزرة صبرا وشاتيلا وما بعدهما .. يقول :

 

نحن في المـــوطـــن الكبـير المسمى                    وطــن العــرب طغمــة غربــــاء

ان ضربنــا في داخل الأرض قالوا                        هــدد الأمـن شتـت الأبـــريـــاء

أو ضربنــا في خارج الأرض قالوا                       مــا يــريــــدون إنّهـم جـــهـلاء

أو صمتنـــا قالـوا استذلوا وناموا                        وهم دون حـقهـــم ضعفـــــــاء

نحن في حيرة مـــن الأمــر ضاقت                        حولنا الأرض رحبهــا والسمـــاء

 

      وفي الحديث عن لبنان .. لبنان العرب والفلسطينين يصور الشاعر ما حل في الموطن الجميل من محن ومآسي كنتيجة لما حيك حوله من مؤامرات ، ولما تعرض له من خيانات تستهدف تجريده من هويته ، فيصرخ الشاعر في وجوه المتآمرين ، مثبتا أصالة الهوية العربية للبنان العربي .. فيقول :

 

عــربي وجـــه لبنــان ،،، وإن                                      لطخـــوه عــربــي مشــــــــرق

لـــن ينــالــوا منه مهما دبروا                                      مــــن خيــانـات ومهمــا أطلقوا

عربي وجـهـــــه تــــاريخــــه                    كـل مـــا فيــــه بهــــذا ينطـــق

 

    وتكاد تنجح المكيدة ، ويبلغ التقاتل بين الأخوة في لبنان ذروته .. فينبه الشاعر أبناء الأمة الواحدة إلى الخطر المحدق بهم جميعا ، ويهتف :

 

تساءلـــت الربـــى ، والــرمــــل ، والاحجــــار والجـــــــدران

تساءلــــت الحروف الخضـــــر ، فــــوق صحـائــــف الايمـــان

تساءلــــت العيــون تــــدور ، خلــف السجـــن والقضبــــــان

لمــــاذا تطلــــق النـيران ؟ لمـــــــاذا ؟ فيـــــــم ؟ يــــا لبنـــــان

 

     وشاعرنا غالبا ما يمزج حديثه عن لبنان  بحديثه عن فلسطين .. ولا عجب في ذلك .. فالقطران العربيان امتداد جغرافي واحد ، وقد زادت الهجرة اللبنانية إلى فلسطين في مطلع هذا القرن ، والهجرة الفلسطينية إلى لبنان أثر النكبة ، من توثيق عرى الترابط والتلاحم بين الشعبين الشقيقين .. ولنستمع إليه وهو يستطرد قائلا :

 

فمــــــاذا بعـــــد يـــــا لبنـــان ؟مـــــاذا بعـــــد يــــــا لبنــــــان

وأقـــــدام الطغــــاة تــــدور          فــــي المحـــــراب والميـــــــدان

تــــدوس القـــــدس والاقصــــىوتهتـــــك ســدرة الــرحمـــــــان

وحلـــم الحـــب فـــي الأحــــداق والأعمـــــــاق والاجـفـــــــان

تهـــــــدده حــــــراب الغــــــزو والارهـــــــاب والطغيـــــــــان

 

          ويسهب الشاعر في تصوير ما حل بلبنان من ويلات ومآسي اثر الهجمة الهمجية على أيدي الصهاينة المجرمين. فيقول :

 

عــــاد " بن نـــون " فمـا من بقعة                      أمّهـــــا إلا وراحــــت تغـــرق

قـــاتـــــل ، مـــا زال في أثــوابــه                         ذلــك المجنــــون ، ذاك الأحمـق

فــــإذا بــيروت أضحـــت غـابــة                          لــذئــــاب شرهــــات تلعـــق

غــالهــــا البـــاغي فمــا من لحظة                       تنقضـي إلاّ وروحٌ تــــزهــــق

 

    حدث كل هذا لفلسطين ولبنان في غياب المشاركة العربية الايجابية عن القيام بدورها في الدفاع عن الحق العربي الممتهن . يقول الشاعر :

وإذا اغتيـــل في الديـــار رجــال                          وإذا زج فــي السجـون نســـاء

جــل مـــا تستطيع أمتنا الكبرى                          احتجـــاج مجلجــــل ونـــداء

والتجــــاء لمجلس الأمــــن يتلـوه                            قـــــرار معطـــل واستيــــــاء

ويضيف :

غـــرهـــم أن أمـــتي تتلهـــى           بـــالدنــايــا ، وأنهـــا خرساء

وبـــأن الشعوب فيهـــا انسياق                  لا تبــالي مهمـــا استمر البلاء

تتــلقى أخبــارنـــا صامتــات           ويضيــع الصدى ويفنى النداء

 

          ومع ذلك ، فإن الشاعر لا يكل ولا يمل ولا يتسرب اليأس إلى نفسه ، بل يصرخ في أبناء شعبه بكل شموخ وكبرياء :

 

قــــولــوا لهم ، بــالنـــار قولـوا                           هـــذا هـــو الشـعب الأصيـل

هـــذا هــــو الشعــب المكبـــل                             ثــائـــــر " حــــر " نبيـــل

يــرمــــي وجـــــوه المعتــديــن                            ولا يحـيــــــد ولا يميــــــل

النــــاس فـــي الســـاحـــــات                    زلـــــزال وإعصـار يصـــول

مــــا ردهــم أن الــــرصـــاص                             بكــــــل نــــاحيــــة يجــول

 

    وبالإضافة إلى ما تقدم من شعر وطني جميل فإن الديوان يشتمل على بعض القصائد يمكن وسمها بأنها من شعر المجاملات يتحدث فيها عن وفاة السيدة بلقيس زوجة الشاعر نزار قباني ولنستمع إليه يخاطبه قائلا :

يا شاعري ..

اذكر في بغداد

في مهرجان الشعر ..

يوم كنتما كطائرين

التقيا من غير ميعاد

ترفرفان ، تمرحان

تضحكان ...

تحلمان بالأولاد ...

ويضيف قائلا :

نخلة بغداد التي احببتها ..

يا شاعري ..

قد غادرت مكانها

وسافرت إلى بعيد ..

غيرت عنوانها ...

    وبعد أن يتحدث طويلا عن " بلقيس " نخلة بغداد ، ونجمة الصبح التي أحبها نزار .. يتساءل الشاعر قائلا :

ماذا تقول دولة الشعر

التي أنت أميرها ..

والناطق الرسمي باسمها

في ساعة الألم ...

      ولن يتسع لنا المجال في هذا المقام ، لنحلل عاطفة الشاعر في هذا الموقف الأخير لنتعرف على مدى صدقها .. لكنني أرى أن الشاعر لو اقتصر في ديوانه على ما أسلف من حديث عن الوطن وجراحاته لأمكن اعتبار هذا الديوان خطوة إلى الأمام في الطريق إلى نوع من الشعر العربي الثوري .. ولعل ظروفا طارئة تتعلق بالطباعة أو الاخراج هي التي دفعت الشاعر إلى أن يلصق بديوانه هذه القصيدة الملحقة بآخره .

       والشاعر هارون هاشم رشيد شأنه شأن معظم شعراء العربية في هذا العصر لم يحاول أن يلزم نفسه بمذهب أدبي معين يلتزم به ، وينطلق من خلاله .. بل يتردد على شتى المذاهب الأدبية ينطلق منها متى يشاء ..

      ويحاول الشاعر أن يوجد نوعا من الصلة بينه وبين قرائه من أبناء أمته العربية ، فتراه يحرص على أن يظل في مستوى فهم القاريء العادي ، لذلك تجد أن معظم قصائد الديوان تتسم بالوضوح ، وهذه السمة تميزه عن غيره من شعراء المقاومة ، وتعتبر سمة ايجابية إذا ما أخذ بعين الاعتبار الامية الفنية المتفشية بين القادرين على القراءة والكتابة في المجتمع العربي الكبير ، غير أنها سمة ضعف في ميزان الشعر  الحديث .

     ويميل الشاعر إلى التشخيص والتجسيم في كثير من قصائده الأمر الذي يشيع فيها حيوية ويكسبها قوة ، ويظهر ذلك في نحو قوله :

إن القصيدة ..

وهي تنزف من جراح

المبدعين ..

وتقول صدقا ،

لا تلف ..

لا تدور ولا تلين ..

تبقى هي الأقوى ..

وتبقى مقتلا للقاتلين ..

    وتبرز العاطفة الدينية واضحة لدى الشاعر في قصيدته " مؤذن الاقصى " التي بناها على أسس من التراث الاسلامي ، والتي يقول فيها :

" أمؤذن الاقصى حزنت لأن صوتك لم يصل

ولأن أمتك التي تدعو لنجدتك السريعة تقتتل

في كل يوم ثورة للحقد فيهم تشتعل ..

في كل يوم بين قابيل وهابيل صراع متصل ..

الأخوة الأعداء قومك ، فاحتمل ماتحتمل ..

وتأس بالخطب المرنة ، والخطيب المرتجل ..

واسمع هدير الصارخين ، بموعد الزحف العجل ..

واقرأ قرارات المجالس ، في تواترها الممل

واعصب عيون الساجدين بساحة الاقصى الخجل

عرب واسلام ، وأنت تهان ، تحرق ، تنخذل

" والله أكبر " زلزلت " كسرى " و " قيصر " لم تذل

" والله أكبر " أين منها كل وثاب عجل

ويضيع صوتك في المحافل ، والمجالس لا يصل

" أين الرجال" تظل تصرخ في الفراغ ولا تكل

والأمة الكبرى بأسباب التفاهة تنشغل

والأمة الكبرى بأعياد الهزيمة تحتفل

أعيادها، ما أكثر الأعياد في الزمن المذل

 

      ويحاول الشاعر  هارون هاشم رشيد في ديوانه الجديد  أن يوجد شعرا ثوريا مبسطا تكون الجماهير - في مستواها الثقافي العادي - قادرة على استيعابه .. وقد يكون معه في ذلك حق ، إذ أن الشعر الثوري الرصين ، يتطلب نوعا مثقفا من الجماهير القادرة على تذوق الأدب والاستجابة له .. لذلك نجد الشاعر يخصص لهذا النوع من الشعر جزءا يسيرا من ديوانه ، يبرز ذلك من خلال قصيدته المسماة " اللا حرب واللا سلام " .

 

 

 

 

 

 

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz