مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

 

قراءة في ديوان :

صحوة الورق

أشعار : إبراهيم محمد (الإمارات)

محمود طافش الشقيرات

 

     " صحوة الورق " باكورة إنتاج الشاعر الاماراتي إبراهيم محمد إبراهيم ، وتضم المجموعة التي صدرت حديثاً عن مطابع البيان التجارية إحدى وثلاثين قصيدة يسودها الهم الوطني والقومي .

    قدم الشاعر لديوانه بقصيدة تكشف عن جانب من منطلقه الفكري يقول في مطلعها :

 

نتــــألم في ليل المحـن                   ونذوب على سفح الزمن

                            ننساب لحوناً مرهفـــة                  ما بين المــلة والوطــن

 

     والذي يعرف " أبا عمير " ذلك الشاعر الهادئ الوادع الصامت يعجب لهذا القدر الكبير من الحزن والتمرد والعزم والتصميم الذي ينبض به ديوانه البكر .. فتراه ملتزما إلى أبعد الحدود بتصوير واقع أمته العربية ، فيجند شاعريته للذود عنها ، وفي توجيه الحياة العربية نحو الواقع الذي ينشده لها .

   وحيث إن الأدب نقد للحياة - كما يقرر الشاعر الانجليزي المعروف كولردج - فإنه لا مناص لنا من الاعتراف بأن الشاعر إبراهيم محمد أديب استطاع رغم صغر سنه وحداثة تجربته أن يتحسس مواضع كثيرة للداء في جسم الحياة العربية .. وهو من هذا المنظور شاعر استطاع أن ينتج أدبا مقبولا بما أحرز من نقد واسع للحياة العربية المعاصرة .

      ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها متعددة ومتنوعة إذ كيف توصل هذا الشاعر الشاب إلى إدراك كنة الحياة رغم حداثة تجربته الفنية ؟ وما مدى هذا الفهم الذي أصابه ؟ وهل استطاع أن يغوص إلى دقائق هذه الحياة وتفصيلاتها وخصائصها الرئيسة ؟ وهل كان احتكاك الشاعر بالحياة كافيا بحيث يؤهله ليتخذ من قوة التعبير الفني أداة مؤثرة قادرة على تنبيه النفوس المكبلة في أغلالها إلى معاناتها ؟ إن الاجابة على هذه الاسئلة جميعها هي التي تحدد مدى القيمة الفنية لتجربة الشاعر .

          يقول ص (9) :

 

بكت العيون معي

على ميلادها فرحا فأمطرت السماء

تبشر الآتين من أقصى بلاد القهر بالعبرات

فأنخت راحلتي

وكل مآدبي .. في روضة خضراء

تحكي للحيارى قصة الآتين

من ثغر الصباح الآتي

وفرشت للأحلام فيها بردة

بين الزهور

غزلتها بخواطري

ونسجتها بحياتي

حتى رأيت الكون هذا صفحتي

والغيم شعري

والطيور رواتي

 

    والسؤال الكبير الذي يبرز أمام الباحث الأدبي هو : كيف استطاع الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم رغم بعده الجغرافي عن أرض فلسطين أن يعيش هموم أبنائها ومشكلاتهم بقوة تكاد ترقى إلى القوة التي نلمسها في أشعار كبار المبدعين من أبنائها كمحمود درويش ومعين بسيسو وغيرهما .

          يقول ص (88) :

يا أبناء المقهورين

حلوا بالحجر الجلمود قضيتكم ودعونا

لا سلعة ترضي حاجتكم

في أسواق النخاسين

صغتم بالطين قصيدتكم فتألقتم

وتألقنا في التلحين

موتوا في الداخل أحرارا

لا تنتظروا

لا وقت لديكم للصبر

لن تأتي قافلة التموين

لهب في الداخل والخارج والسكين هي السكين

لا تنتظروا منا نصرا

فالنصر بداخلكم أنتم

أما نحن

فسلسلة للقمع موثقة

ما بين سجين وسجين

 

    لعل الثقافة العربية الفلسطينينة الوافرة التي نهلها الشاعر من معين كبار الأدباء الفلسطينين ، بالإضافة إلى حسه المرهف وصفاء طبعه وإدراكه السليم للأمور هي العوامل التي مكنته من ملاحظة الحياة العربية في فلسطين بدقة والتحدث عنها  بهذا الحماس النادر وكأنه فلسطيني في جلد إماراتي .

      إن الذي يقرأ قصائد الشاعر إبراهيم محمد يلمس بسهولة ويسر مسحة من الحزن تنبعث من بين كلماتها .. وهذه الظاهرة غدت واضحة في الشعر العربي المعاصر .. هذه المسحة من الحزن هي التي ساعدت في تحديد اتجاه رؤية الشاعر لواقع أمته .. فغدت محوراً بارزاً ينم عن مدى اتساع نطاق رؤيته ليشمل كثيراً من أبعاد الصورة العامة للحياة العربية .

          يقول ص (44 ) :

 

تسخر الأحداث منا ، يا لقومي

فقد الجمر اتقاده

أي ماء ، ذلك الملعون قد أوهى عناده

أيها الجد الذي قد ضاع منا

لا تسل عن حالنا

عد إلى الأصنام ، أبشر بالافادة

 

     إن النغمة الحزينة التي نلمسها في ديوان الشاعر لا يمكن إرجاعها إلى عوامل خارجية ، فهي ليست من قبيل ذلك النمط الذي نجده في أشعار ( ت . ا . اليوت ) أو الروايات الوجودية المترجمة إلى اللغة العربية ، وإنما هي نابعة من صدق وعمق انتمائه إلى أمته ومن إدراكه لمأساوية الحياة .

     كذلك ، فإن الحزن في شعر إبراهيم محمد ليس من ذلك النمط الذي نلمسه في أشعار نازك الملائكة أو صالح عبد الصبور ، وإنما هو حالة مختلفة تماما ، وتعبير ناجم عن تيار من التمرد على واقع في إطار من النزعة الذاتية الصادقة .. فأنا أراه أكثر إيجابية وأعمق أثراً على الرغم من التفاوت الهائل بين التجربتين .

      يقول إبراهيم محمد ص ( 69 ) :

 

إن النوم على الصندوق العاهر موت

فالموت على وجع القدس شهادة

يا حائط برلين الشرق الأوسط

إني ألمح فأسا

تخرج من شفة القبر الأول

يحملها سبعون شهيدا

يدفعهم سيل بشري آمن

إن النسمة لن تأتي ،

والصبح الباسم محصور ،

ما بين الحائط والقادة

حجر آخر منتفض وتكون سيادة

 

    إن من يقرأ ديوان صحوة الورق للشاعر إبراهيم محمد لا يملك إلا أن يعترف بموهبته الشعرية  وبمقدرته الفنية ، إن هو أخذ بعين الاعتبار العمر القصير جداً لتجربته .. فالتوقيع الموسيقي ظاهر بجلاء في معظم قصائد الشاعر الذي يستدرج قارئه لرؤية العالم الخارجي بذكاء .. وهو يعبر عن أفكاره ومشاعره وحالته النفسية متكئاً على أغوار نفسه لخلق صوره الشعرية التي تولد في نفوسنا معاني أبية تستهوينا فنعشقها .

          يقول ص (66 ) :

 

يا ظلمة الأمس الكئيب تبددي                  

قد آن أن أحيا بزوغ نهاري

وأرى وشاح الياسمين إلى الربى

وأعي حديث النور للنوار

وأرى بلادي                     

حرة بين الطيور ، بحلة الأزهار

تجري

فيسبقها الفراش إلى المدرج

وتنثني نحو الغدير

تثير صفو الماء بالأحجار

وتعود نحوي

والحنين يحثها

فأضمها ولهاً كما عودتها

وتذوب في صدري .. فتخمد ناري

 

    وهكذا ، فقد استطاع الشاعر إبراهيم محمد أن يكون أديبا ملتزما بالدفاع عن قضايا أمته إلى أبعد الحدود بهذه المجموعة الصغيرة من قصائده ذات الأثر الإيجابي الواسع ، والتأثير العميق في نفوس أولئك الذين يعيشون هموم ومشاكل أمتهم القومية ، وإن يتخذ لنفسه موقفاً سليما ذا وزن وقيمة ؛ لذلك فإن شعره سيجد الاستجابة المتوخاة في نفوس أبناء أمته وسيكون لهذا الشاعر الشاب شأن كبير في عالم الشعر.


Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz