مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

 

قر اءة في المجموعة القصصية ....لا أقسم بالشمس    

تأليف الدكتور عبد الله الشحام (الأردن)

محمود طافش الشقيرات

    صدرت عن دار الكرمل في عمان مجموعة قصصية غريبة عن الاتجاه القصصي العام في الاردن وفي بقية الاقطار العربية تلك هي مجموعة الدكتور عبد الله الشحام " لا أقسم بالشمس " . وكنت قد كتبت دراسة حول هذه المجموعة فور صدورها نشرت في جريدة الرأي الأردنية . وقد وعدت في تلك الدراسة بأن اعاود الكتابة في هذا الموضوع مرة ثانية ، وها أنا أفي بما وعدت على الرغم من شعوري بأنني مازلت بحاجة إلى المزيد من الوقت لسبر أغوار هذه التجربة القصصية المثيرة .

    صاحب المجموعة عرفت شيئا عنه من خلال ديوانين قرأتهما له ، لكنني لم ألتق به خلال السنوات الأربع التي قضيتها في ربوع الأردن . ففي الوقت الذي رجعت فيه إلى عمان بعد غيبة طويلة كان هو قد غادرها في طريقه إلى المملكة المتحدة من أجل استكمال دراسته الجامعية . وقد شاءت الأقدار أن أخلفه بتدريس مادة اللغة العربية أثر سفره إلى بلاد الضباب . ثم أني علمت بأن الطلاب كانوا ينظرون للرجل كمجنون . فلما سألتهم عن إمارات جنونه ؟ أفادوني بأنه كان يطالبهم بكتابة موضوعات إنشائية غريبة مثل " حوار مع نملة " ... حينذاك أدركت أن الرجل قد يكون ذا شأن ، وأنه كان يأمل من طلابه أن يقولوا له الكثير ، لكنهم لو يقولوا شيئاً ، واكتفوا بأن اتهموه بالجنون .

    وما أن صدرت مجموعته القصصية الأولى تحت عنوان " لا أقسم بالشمس " حتى كاد يتأكد لدي ما رميت إليه ؛ فإن ظاهر العنوانين ينم عن فيض من العلم الغزير ... فالحوار مع نملة دلالته دينية وقد وردت الإشارة إليه في الكتاب الكريم . ولم يخطر ببالي قط أن يكون حوار الشحام مع النملة هو من نمط ذلك الحوار الذي أجراه السريالي الثائر مالدورو مع شعرة هائلة سقطت من رأس الإله ، كذلك ، فإن " لا أقسم بالشمس " أسلوب قرآني في التعبير ولا يمكن أن يكون اختياره مجرد مصادفة .  هذا ما توهمت من ظاهر العبارتين ، وتوقعت أن أطالع نمطـاً من الأدب المتميز . وبدأت أقرأ ...

   كان وسم القصة الأولى " رجل طريد يكتشف السر " ولم يكن في الأمر سر بل مشروع قصة عادي مطروق، يمكن لأي كاتب عادي أن يبدع مثله ، وهو بالتأكيد ليس من باب السهل الممتنع . وقد ذكرتني هذه الأقصوصة بعدد من الكتاب الناشئين على الساحة العربية ومحاولاتهم المتكررة لمعالجة موضوع الطبقية بأساليب ركيكة من شانها أن تسئ إلى الموضوع أكثر من أن تخدمه ومع ذلك فإني لم أفقد الأمل وتابعت القراءة .

    القصة الثانية كان عنوانها " مدحلة في راس عصفور " ... واعترف بأنني ما كدت أنتهي من قراءة المقطع الثالث حتى تأكد لدي بما لا يدع مجالا للشك بأن الكاتب يرمي إلى شيء يستحق التوقف عنده . وبأنه استطاع أن يستخدم الأسلوب السريالي لعرض أفكاره بدقة متناهية ، وبإيجاز بليغ ، وكان يحرك رموزه بذكاء مستفيض ، وحنكة بالغة ، ليخدم الأغراض التي يسعى لتحقيقها .

    وسوف أحاول الآن أن أتتبع أبرز ملامح السريالية التي ظهرت في مجموعة الكاتب مع شيء من التركيز على القصة الثانية " مدحلة في رأس عصفور " . وأرجو أن تتاح لي فرصة أخرى لمناقشة قضايا أعمق تتصل بهذه المجموعة القصصية الفريدة من نوعها في الأدب الأردني المعاصر .

    بادئ ذي بدء ، فإني سأرصد الإشارات السريالية التي وردت من خلال قصص المجموعة، ثم أقوم بتسجيل الشواهد الدالة عليها ؛ ومن أبرز هذه الإشارات : الحلم ، الانتحار ، العنف والرعب ، الغموض ، الكتابة الآلية ، المدهش ، التحول ، الجنون ، الخيال ، المادة والروح ، الشمس ، الملل والرغبة بالتجديد .

    يقول الكاتب ص14 :  " في المدرسة جائتني ريم ، بنت صغيرة في الأول الاعدادي .

قالت هامسة : أستاذ ، أريد أن انتحر .

قلت لها : يا بنت ، أنت شاطرة وهذا لا يجوز .

قالت بانكسار : أستاذ مللت ، مللت .

قلت لها في حدة : أنتِ ، مللت ، مم ؟

قالت بخوف : انني أحلم حلما .

قلت متعجلا : اتحلمين ؟ وبماذا تحلمين ؟

قالت : أرى نفسي على طاولة صغيرة ، في دكان جزار ، يحمل ساطورا يريد أن يقطّعني .

قلت صارخا : ماذا ؟

ثم أقعيت ككلب . "

          لقد اشتمل هذا الحوار الذي سطعت من خلاله اللغة السريالية على عدد من خصوصيات المذهب السريالي ، فإن التعبير بالاحلام هو الركن الرئيس الذي يقوم عليه المذهب السريالي اليوم ، ومن أشهر أعلامه " سلفادور دالي " الذي تأثر كثيرا بفرويد ودراساته ، وذهب إلى أنه لا يجوز التقليل من أهمية الحلم ، يقول برايتون زعيم المدرسة السريالية " إنّه من الصواب الكبير أن وجه فرويد اهتمامه للحلم ، فليس من المقبول في الحقيقة ألا ينال هذا الجانب المهم للفعالية السيكولوجية من العناية الا قليلا ، ان الفرق الهائل الخطير بين احداث اليقظة واحداث النوم كانت دائما محط دهشتي " .

    كما اقترن اسم السريالية بهوس الانتحار ، وحوادث الانتحار تتكرر في مجموعة الكاتب مرات عديدة ، والسرياليون يعدون الانتحار فضيلة ويعتبرون المنتحر شهيدا ، وقد أقدم على الانتحار ثلاثة من زعمائهم الطلائعين ، وهؤلاء الشهداء الثلاثة - كما يسمونهم - هم : جاك فاشية صديق برايتون الحميم ، والذي انتحر بتناول جرعة كبير من الأفيون ، وجاك ديغو الذي انتحر باطلاق النار على نفسه ، وأما المنتحر الثالث فهو رينيه كريفيل الذي انتحر يوم افتتاح " مؤتمر الكتاب للدفاع عن الثقافة " وهو المؤتمر الذي لم يسمح فيه للسرياليين بالكلام .

      وكان بريتون يدعو للانتحار صراحة . يقول : " إنَّ المرء إما أن يكون سرياليا أو لا يكون ، أن يؤمن بأن بعض الأمور غير موجودة يمكن أن تكون موجودة ... عليه أن يؤمن بذلك ... فإذا اخفق في مسعاه فلينتحر مختارا " .

    أما عن الملل فإن اتباع المدرسة السريالية قد سئموا القواعد الرتيبة والتفاسير الخاضعة لها ، وهم من ألد أعداء المنطق ، ويدعون دائما إلى غياب العقل ، ويفضلون عليه العيش في حالة من اللاوعي لذلك تراهم دائمي الاستعانة ببعض الوسائط من أجل الوصول إلى حالة من اللاشعور .

      ويتكرر في المجموعة هذا التشبيه " اقعيت ككلب " ولنستمع إلى مالدرور البطل السريالي النموذجي وهو يقول: " أنا كالكلاب استشعر الحاجة إلى النهاية " .

      والآن تأمل هذه الحالة الفظيعة في مثل هذا الحلم المرعب ؛ يقول الكاتب ص11 :

" كنت أخاف من كل شيء . وعندما أنام أحلم . أرى نفسي ممدا على طاولة في دكان عمي الجزار بانتظار تقطيعي لحما للزبائن " .

      ومرة أخرى يحلم البطل بأنه قد تحول إلى قط ثائر . ويدرك عمه مدى ما في هذا التحول من خطورة فيضربه بمنتهى العنف ، يقول ص12 : "مرة واحدة حلمت حلما غير ما اعتدت وظهرت أمام عمي قطا شرسا له شوك قنفذ ، وعينا بقرة ، ورجلا نعامة ، وذنب حصان ، فارتجف عمي ثم هوى بالساطور على راسي ".

    والتحول من حالة انسان الى حالة حيوان من اعمال السرياليين ومن أمثلتهم البارزة والمشهورة على ذلك قصة " ميلوزين " التي كان القسم الاسفل من جسدها يتحول الى ذيل افعى كل ليلة سبت .

     ويضيف الكاتب قائلا :ص14

     " لم يكن هذا كل شيء . مرة حلمت انني ادخل الحمام فيطول مكوثي فيه ، والباب مغلق ، فتستطيل امي غيبتي عنها ، فتندفع تفتح الباب فلا تجدني ، بل تجد هرا صغيرا يموء على شجرة ورد كانت مغروسة في وسط الحمام باتقان كبير ، فتصرخ : ولدي !

وياتيها الخبر بعد ساعات : ابنك عند عمه بخير ، رآه حارس الحي في الليل معلقا على اسلاك الهاتف يقطر دما .كان له ذيل وعينان " سيعود اليك فلا تجزعي " .

        لقد ذكرتني هذه العبارة بحديث ادلى به راس السريالية اندره بريتون في بيانه الاول ، فقال : " انه لابد لبلوغ الحقيقة على اتم وجه من توافر الحالات التي تضمحل فيها تلك الحياة وتاخذ مجراها الطبيعي دون قيد ، كما هي الحال في عالم الطفولة والحرية والخيال والجنون وما يتصل به من هذيان وهلوسة ".

        ومن خلال ما تقدم من أمثلة مختارة فإنه يسهل تسجيل الملحوظات الآتية  :

-  إن الكتابة الآلية عند السرياليين وسيلة لادراك الأمور المطلقة ، وهي هجوم على أنماط التفكير العادي ، واللغة العادية ، واثناء عملية الابداع تنقطع كل صلة بين الفنان والعالم الواقعي .

- إن من السمات البارزة للسريالية : الغموض ، والمأساة ،  والعنف وإثارة الرعب ، ويسهل على القارئ تتبع هذه السمات في المجموعة .

- إن السريالية تعتبر الخيال هو الرباط الذي يصل عالم الإنسان الداخلي النفسي بعالم الواقع الخارجي .

- إن صور السريالية لا يستدعيها الكاتب ، ولكنها تفرض نفسها ولا يستطيع الكاتب طردها .

    أضف إلى كل ما تقدم ان السريالي يرفض الحلول الدينية رفضا صارما ، وفي المجموعة عدة شواهد تنم عن هذا الرفض .

      ويحقق السريالي نفسه بشيئين : بالطيران في اتجاه الأعالي ، أولا حيث يعيد أسطورة " ديدالوس " . ذلك المهندس الإغريقي الذي فرَّ من سجنه بعد أن صنع لنفسه جناحين من ريش لصقهما بالشمع ، فلما اقترب من الشمس ذاب الشمع ، وسقط المهندس في البحر . ثم بالغوص في الأعماق ثانيا حيث يعيد أسطورة يوسف الصديق ، ويصير الإنسان الحالم .

       هذه هي السريالية كما بدت لي من خلال مجموعة الشحام " لا أقسم بالشمس " . وقد وصفها أحد أعلامها بأنها " سليل الجنون والظلام " وبأنها " دوار آخر لمخ للإنسان " .

       ولن يتسع لي المجال في هذا المقام للتعليق على كل قضية من هذه القضايا المتطرفة التي حفل بها كتاب الدكتور الشحام، غير أني أرى أنه لا مناص من الوقوف عند نقطة أراها غاية في الخطورة ، تلك هي الدعوة الصريحة التي تنادي بها السريالية على رؤوس الأشهاد ، وأعني بها دعوتها إلى " هدم افكار العائلة والوطن والدين " فأنا لا أستطيع أن أتصور كيف يمكن للمرء أن يقوى على النضال والمقاومة إذا تجرد من هذه الأفكار . وإذا كان البعض يريد أن يناضل من أجل قضية معينة ، فلماذا يعتقد بأن نضاله لا يتم إلا عن طريق هدم أفكار ومبادئ ومعتقدات غيره ،  فليعمل هو وليترك الآخرين يعملون بالطريقة التي يرونها مناسبة ، ولا تعارض بين كافة أنماط النضال ما دامت كلها تنصب في بوتقة واحدة، وضد عدو مشترك واحد .

     وأنا إذ أقدر للكاتب جهده الذي بذله في سبيل تصوير بعض مظاهر القمع التي تتعرض لها الجماهير المسحوقة على أيدي بعض السفاحين والطغاة لآمل منه أن يعدل من نهجه فيما يتعلق بحقوق ومشاعر الآخرين ، ولن اتعرض في هذا المقام للمخالفات  التي وردت في كتابه موضوع الدرس وكلي أمل في أن يجتنبها في كتابه المنتظر " الآله " .

 

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz