مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

معالم واقعية في المجموعة القصصية

" وحــوش الغــابــــــة "

للدكتور : دريد يحيى الخواجة ( سورية )

محمود طافش الشقيرات

صدرت هذه المجموعة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق ، وتقع في 146 صفحة ، وتضم ثماني قصص هي على التوالي : ثلاثية المبيّض ، الأثر ، ممنوع التنخيم ، أوراق الليل والنهار ، ماسحات الزجاج ، الإشارة ياسيدي رحّال ، وحوش الغابة ، الترك .

وللوهلة الأولى ، يلمس الدارس للمجموعة ، أنه لا يستطيع أن يخفي تأثره بالقضايا الحياتية التي اختارها الكاتب لتكون موضوعات لقصصه ، فما السر وراء هذا التأثر ؟ هل هو البيئة القصصية التي التقط أبطاله منها ؟ أم هو الأبطال الكادحون المسحوقون الرافضون لواقعهم ؟ أم هي القضايا الإنسانية التي عالجها الكاتب بخصوصية ، أم هو الالتزام بإبراز قضايا الأمة والدفاع عنها ؟ أم هي دعواته المتكررة إلى التمرد والثورة ؟ أم لعل السبب هو كل هذه العوامل مجتمعة ؟

إن الملاحظات الآتية تلقي أضواء كاشفة على الإجابات التي تنتظر هذه التساؤلات المطروحة :

لقد لعبت طفولة الكاتب - والتي تخزّن كمّاً هائلاً من الانطباعات عن حياة المعذبين في الأرض العربية - دوراً كبيراً وملموساً في جعله دائم التفاعل مع معاناة الناس المسحوقين الحالمين بحياة أفضل ليعيد صياغتها من جديد ، الأمر الذي أكسب شخصيات قصصه قوة ، وأضفى على أسلوبه طابعاً من الروعة الموحية بما يتطلع إليه الإنسان العربي في شرق الوطن العربي الكبير وفي غربه ، مسجلاً بذلك واقعية حافلة باللمسات التجديدية ، ذات النكهة المميزة ، والهادفة إلى تحريك المسحوقين المنتمين إلى عالم الاستلاب ، لينهضوا باحثين عن غدٍ أفضل لهم .

يبذل الكاتب محاولات جادة ، وذات شأن لتعرية مواطن الفساد والتعفن في المجتمعات العربية التي تعامل معها ؛ إنه يغوص في أعماق الواقع العربي يتجول بين سطوره ، ويلتقط منها ما يشبع تطلعاته الرامية إلى تفريج كرب البؤساء ، وإلى كشف أقنعة المستغلين الذين يبنون أمجادهم بسرقة كدّ وجهد الكادحين ، مبرزاً وبجرأة نادرة المعاناة الجماعية التي تسحق الناس في وطنهم ، وتكبلهم بأغلال التخلف .. إنها معاناة ترتدي ثوب البؤس وتفيض بالمرارة والألم ، ويشير في نفس الوقت بأصابع الاتهام إلى أولئك البرجوازيين الذين جثموا على صدور الناس يمتصون دماءهم وعرق جباههم ، ليصنعوا من ذلك كله مراكز اجتماعية لهم ، وثرواتٍ طائلة يقتنصونها في وقت قصير ، ويجعلون منها متاريس تحول دون تقدم الأمة ؛ وهذا الالتزام الأدبي هو الذي جعل من القاص دريد الخواجة صوتاً مسموعاً في حقول القصة القصيرة العربية .

ويستمد الكاتب الخواجة كثيراً من موضوعات قصصه من تجاربه الشعورية ، ومن حياته الخاصة المتنقلة في أرجاء الوطن العربي من شماله لغربه ومن أقصى غربه إلى أقصى شرقه . وتظهر هذه الظاهرة جلية واضحة في العديد من قصصه . أضف إلى ذلك هذا التشابه الواضح في النزعات الإنسانية الخيّرة ، التي تتجلى في رفضها للظلم والسلبية والاستغلال ، لدى شخصيات قصصه التواقة دائماً إلى الحياة ، العزيزة الكريمة . ويلتقط القاص أحداث قصصه من قارعة الطريق أحياناً، من حافلة سائرة مثلاً ، وأحياناً أخرى من هامش الحياة ، ويتفاعل معها فتغدو عملاً فنياً رائعاً ذا أبعاد إنسانية شائكة وشائقة ، وناطقاً بحلم الإنسان العربي بغدٍ أفضل يستعيد به حقوقه المهدورة والمنهوبة .

ويملك الكاتب قدرة عجيبة على الغوص في أعماق نفسيات رموزه المسحوقين مسجلاً فهماً دقيقاً للفوارق التي تُميّز كل شخصية عن غيرها ، ومصوراً ذلك تصويراً واقعياً متكاملاً عبر الحوار الذي يجريه على ألسنة شخصياته . ومن خلال مبدأ اعتنقه ، وموقفاً نضالياً اتخذه في حياته وارتضاه لنفسه كمواطن عربي يعشق الحرية ويرنو إلى مستقبل أفضل .

إنَّ واقعية دريد الخواجة تتطلب فهماً عميقاً للتفاوت الاجتماعي في كثير من أرجاء العالم العربي ، إنها تتطلب الاقتراب من الناس المسحوقين والمعذبين في الأرض والتعايش مع مشكلاتهم وقضاياهم . وهو يُصرّ على أن يختار أبطاله من هذا الوسط لينطلقوا بعفوية ، ولينطقوا بما يجول في خواطرهم من تعبير عن واقعهم المرير . فيصور بذلك حالات إنسانية تشدّ القارئ إليها فلا يملك إلا أن يتعاطف معها .. فهي تبرز السيكولوجية المتشابكة والمتناقضة للإنسان العربي . وقد توقفت طويلاً عند القصة الأخيرة " الترك " ؛ فبطلها مسحوق لدرجة أنه لا يعرف اسمه ، ومُستغل لدرجة أنه " ينجز كل ما يؤمر به ، دون حساب الممكن من المستحيل ، أو اعتبار بشريته وظرفه .. أي شيء وكل شيء لا فرق بين ليل ونهار .. أو حر وبرد " . ومع يثور البطل ويقوم بعمل رائع .

ويتبنى الخواجة قضايا الطبقات الفقيرة المسحوقة بأسلوب شفاف مستخدماً حسّه الانتقادي لإبراز محاولات أبطاله المتكررة إلى واقع أفضل . إنه يلتقط حوادث عادية من حافلة تسير على الطريق - مثلاً - ثم يضفي عليها ألواناً من المشاعر ، موظفاً خياله الخصب وقدرته على التولي والجمع واستخلاص الحقيقة .

ويتحدى الكاتب تقاليد المجتمع في أكثر من موقع ، وأبرز ما يكون هذا التحدي في قصته " ماسحات الزجاج " وإن كانت هذه الصورة التي رسمها تكون شبه عادية في مجتمعات المغرب العربي ، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل كان الكاتب محايداً في عرضه لهذا الواقع . لقد كدت أتعرف على شخصيته وعلى نبرات صوته من خلال خطوط الصورة الكلية التي تابعها . وتذكرني معالجة الكاتب من خلال القضية بالأسلوب الذي انتهجه كلٌ من " بلزاك " وبرنارد شو ، إذ لم يستطيعوا التخلي عن حيادهم تماماً . ومن هنا برزت دعوات الخواجة الملحة للتمرد على الواقع لهدف التغيير .

وينحو دريد الخواجة في واقعيته إلى أكثر من اتجاه ؛ المنحنى الأول لمسته في قصته " ماسحات الزجاج " حيث وصف الموقف كما هو وترك المجال للقارئ مفتوحاً ليستنتج منه ما يراه . والمنحنى الثاني لمسته في قصته " وحوش الغابة " حيث وجّه الأحداث بصورة تمكن الخير من الانتصار على الشر بعد ان تصارعت قوى الأول مع قوى الثاني على نحو خلاّق . وهناك منحنى آخر لمسته في قصته " الإشارة يا سيدي رحّال " حيث لامس الكاتب أعماق النفس البشرية ليبرز حقائق تقع بين الوعي واللاشعور عن طريق الإيحاءات مبرزاً الحالات الغامضة والأسرار الخبيئة في الأعماق لاستجلائها مسجلاً فهماً عميقاً لصفات الحوادث ، من خلال موهبة قادرة على استشفاف المشاعر الإنسانية .

وحيث إن دريد الخواجة في مجموعته القصصية "وحوش الغابة " يرفض الظلم والتخلف ، ويدعو إلى التمرد على الظلم ، وإلى تعرية الظالمين . ويرنو إلى التجدد والانعتاق . فإنه يمكن اعتباره قاصاً مبدعاً جاداً ملتزماً بالدفاع عن قضايا أمته ووطنه العربي الكبير .


Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz