مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

حول الأداء الخطابي في الشعر

محمود طافش الشقيرات

نشرت في جريدة الخليج يوم 25/3/1991

   لم تعد قضية الأمية الفنية المتفشية بين الجماهير العربية خافية على أحد ؛ الأمر الذي تمخض عن نمط من الصراعات , غير مستند إلى أصول نقدية ثابتة وسليمة بين ما ينصبون أنفسهم للدفاع عن القديم , وأولئك الذين ينصبون أنفسهم لحمل راية التجديد . أما لماذا لا يجلس الجميع حول مائدة مستديرة ويحاول كل فريق الاستماع إلى وجهة نظر صاحبه باحترام ودون توتر ؛ مما سيعود بالنفع الجليل على الأدب وعلى الأدباء , فهذه قضية _ في رأيي _ لم تصبح حتى الآن في كثير من الأوساط الأدبية العربية موضع نظر .

  ففي ندوة حول أدب المقاومة الفلسطينية , تحدث الدكتور عبد الكريم الاشتر _ وكان أحد المشاركين فيها _ حول عدد من القضايا المتصله بالموضوع , وكانت آراء المتحاورين من الحضور تتلاقى حينا , وتتباين أحيانا وحيث أني مقتنع بأهمية الاستماع إلى الرأي الآخر , ومؤمن بأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية , فقد رأيت أن أدلو بدلوي في الحوار الذي كان محتدما آنذاك .

  وبالرغم من أن الحديث الذي أدليت به ليس على درجة كبيرة من التطرف , ولا يمكن أن يثير أحدا إلا أن واحدا من الحضور كتب مقالة صغيرة , في صحيفة عربية , أشار فيها إلى القضية المطروحة على بساط البحث والنقاش , لا موضحا لخافية ولا مشاركا برأي , وإنما متهجما ومتهما إياي بتشجيع الأدب الرديء .

  وحيث إنه لا يجوز في ميدان النقد البناء التعرض إلى الأشخاص بل إلى أعمالهم , ولما كانت القضية المطروحة للنقاش على جانب كبير من الأهمية , ولما كان السكوت على الافتراءات والدعاوى الباطلة يعتبر عملا سلبيا مشجعا على التمادي في الباطل , فقد رأيت أن أدافع عن وجهة نظري , فأضع النقاط فوق الحروف .

وجهة نظر :

وقبل أن أناقش مع صاحب الزعم ما قلته , أرجو أن أعيد على مسامع من لم يسمع ملخصا لما قلته في الندوة المشار إليها ,

   لقد قلت بعد أن لمست عجز الجماهير العربية عن متابعة الشعراء فيما يرمون إليه : (( إن الداء يكمن في إن الكلمة العربية قد أصابها الشلل , وإن الدواء يكمن في إعادة الحياة إلى هذه الكلمة , وفي خلق صلة بين الأدباء وجماهيرهم )).

  وتساءلت : (( لماذا لا يخاطب الأدباء العرب الجماهير العربية على قدر ثقافتها ..؟ )) .

   وأضفت قائلا : ( وأنا أعترف بأن الثقافة الفنية النظيفة المنزهة عن الأهواء والأغراض الشريرة مطلب غال وعزيز , ولكن ما حيلتنا إذا كانت جماهيرنا العربية لا تمتلك مثل هذه الثقافة الفنية ؟ هل ننتظر _ ونحن في حالة حرب مع عدو لا يرحم , حتى تمتلك جماهيرنا ثقافة فنية أم نهبط إلى مستوى هذه الجماهير ونخاطبها على قدر فهمها ؟ )) ومما قلته أيضا : (( فليبق أصحاب الثقافات الفنية العالية من الشعراء والكتاب في بروجهم العاجية حتى تمتلك الجماهير ثقافتها الفنية , وتصبح قادرة على فهم أفكارهم فتأتي إليهم لتنقاد لهم و فيتصدون بها للاستعمار الأجنبي في الخارج , ولإقطاع والعملاء في الداخل .. ))واستدركت قائلا : (( أليس من الممكن أن نترك المتبسطين في أشعارهم وأقوالهم يخاطبون الجماهير بالطريقة التي يرونها مناسبة ؟ لماذا نحاربهم ؟ ألا يكفينا خرابا وتدميرا ؟ )).

   كان هذا مجمل ما قلته في تلك الندوة , واعتبره الناقد المشار إليه دعوة للأدب الرديء ، وقد كانت القضية مطروحة للنقاش فلماذا لم يتفضل علينا راعي الأدب الرفيع برأيه الرصين !؟

أنا لا أنكر أنه نطق بالعبارة التي يرددها دائما والتي فحواها (( أن الأدب الرديء يطيل الطريق إلى فلسطين وصدقوني لو أنه وضح لنا كيف يطيل الأدب الرديء الطريق إلى فلسطين . لاحترمت وجهة نظره مهما كانت .. لكنه التزم الصمت , واكتفى بطرح الشعار )) .

الأدب الرفيع ، والأدب الرديء :

   ما دام أن الأدب الرديء يطيل الطريق إلى فلسطين فلا شك أن الأدب الرفيع يختصر هذه الطريق .. لكن ما هو المعيار الذي نفرق به بين الأدب الرفيع والأدب الوضيع ؟ هل الأدب الرفيع هو الذي نتعرض فيه للذات الإلهية ولأسلافنا الصالحين ؟ أم لعله الذي يدعو إلى هدم الدين والتراث وتعطيل أساليب البيان ..؟!

   ولنتحدث ببساطة ووضوح فنقول بأن العمل الأدبي بوجه عام يقوم على عدة أركان رئيسية أهمها : العاطفة والأفكار والتعبير , أما الأفكار فهي الأساس المتين الذي يبني عليه العمل الأدبي والذي يقوم بدوره في عملية توصيلها إلى الجماهير التي تقترب من الأديب أو تبتعد عنه بقدر اقتناعها بأفكاره التي يطرحها و أما العاطفة فهي الباعث الحقيقي للأفكار والمولد لها ؛ وهي عبارة عن شعور معين ينتاب الأديب عند تعرضه لتجربة ما أو لموقف حياتي معين , وهي العنصر المؤثر والفعال في كل عمل أدبي , ومدى تأثيرها ينبع من صفاء موردها , وللعاطفة علاقة مباشره مع الصحة النفسية للإنسان ومع العقيدة التي تربى عليها .

   وأما التعبير فهو الوسيلة التي نستخدمها للإعراب عن مشاعرنا وأحاسيسنا تجاه التجربة أو الموقف المشار إليه آنفا , ويتفاوت في الاعتبار عند الحديث عن جزالة التعبير أو ركاكته , ومهما يكن من أمر فإن موضوع التعبير يبقى أقل العناصر الثلاثة خطورة لأنه يمكن تقويمه وتقييمه وفقا لمعايير محددة . أما الخطورة كل الخطورة فإنها تكمن في العاطفة الشاذة , لأنها تولد فكرا فاسدا يمكن أن يشكل خطرا مدمرا إذا أمكن التعبير عنه بأسلوب خبيث يعتمد على التلاعب بالألفاظ ذات الدلالات المتعددة والمتباين ودس السم في الدسم .

  من هنا لا بد _ إذا أردنا أن نحكم على عمل أدبي بأنه رفيع أو رديء_ من أن ننظر إلى ما ينطوي عليه من فكر أولا .. ما غرضه ؟ وما الهدف الذي يسعى إليه ؟ أهو الهدم أو الإنقاذ أم البناء ؟ لقد أطربتني عبارة ثمينة وردت في حديث الدكتور الاشتر وهي قوله : (( إننا نريد ثقافة تنقذ ولا تدمر )) .وماذا يكون عليه الموقف إذا كان البعض يريد أن يهدم وأن يدمر كل شي قبل أن يشرع في عمل أي شيء آخر ؟ هل يمكن اعتبار الأدب الذي يقوم على هذه المعطيات أدبا رفيعا مهما كانت مبرراته الفنية التي يتشدق بها دعاته وأنصاره ؟ لكن الشعر الرفيع في رأي البعض هو الذي يهدم ويدمر ويطيح بكل شيء يمت للقديم بصلة .

   هذا أدونيس يرفض شعر المقاومة الفلسطينية داخل نطاق الشعر الثوري العربي , لأنه في رأيه _ ((شعر رومانتيكي بأبسط مستوى الرومانتيكية شعر محافظ , منطقي مباشر , يتدرج في الإطار الإيديولوجي السائد ، يحاول أن يصنع الثورة بوسائل غير ثورية . إنه مثلا ينطق بالقيم التقليدية التي تتبناها القوى المحافظة القيم الماضيوية الدينية والقومية والثورة لا تقوم بإحياء الماضي واستدعائه)). ويرى يوسف الخال (( أن الحركة الإبداعية التجديدية الثورية هي التي تعارض كل مؤسسة سلفية دينية كانت أم أدبية , ويلتقي مع أدونيس في رفض كل موروث سلفي بمفهومه الديني والسياسي ويريدان بذلك (( أهل السنة )) عند أدونيس والمسلمين عامة عند يوسف الخال )).

الثقافة الفنية :

لقد تباينت آراء النقاد حول طبيعة الثقافة الفنية , هل هي هدف قائم بذاته , أم هي وسيلة لهدف آخر ؟ أو بمعنى آخر هل نحن نسعى للفن من أجل ذات الفن أم من أجل شيء آخر هو التحرر و الانعتاق .

  الرأي عندي , إننا لو كنا فرنسيين أو انجليز أو أمريكيين أو أي شعب آخر يحيا حياة الترف , ولا يشغله أمر آخر يتعلق بالديمقراطية أو الحرية أو الحياة الأفضل , فلا بأس حينئذ من اعتماد مبدأ الفن للفن .. وربما نلهو ونمرح , ونشغل أذهاننا وأنفسنا بأي شيء قد نسميه فنا وغير ذلك .. أما إن كنا شعبا يكاد أن يختنق بقيود أعدائه التي تطبق على عنقه , وتكبل يديه ورجليه فإنه من السخف أن نفكر في أي شيء آخر غير التحرر و الانعتاق , وينبغي أن نسخّر كل الوسائل المتاحة قديمها وحديثها لتحقيق هذا الهدف الذي لا يسمو عليه هدف آخر .. إذن فالثقافة في بلادنا ينبغي أن تكون وسيلة وليست غاية قائمة بذاتها .

النزعة الخطابية في الشعر .

  إن نقطة الخلاف الرئيسية التي برزت في الحوار الذي دار بيني وبين الدكتور الأشتر كانت حول محاربة النزعة الخطابية في الشعر وبالتأكيد فأنا لم أكن أدعو _ كما زعم الكاتب _ إلى الأدب الرديء , وإنما كنت أطالب بضرورة التفريق بين الأداء الخطابي المؤثر ايجابيا في الجماهير وبين الأداء الخطابي المصطنع , وهو بلا شك رديء , لكن الدكتور الأشتر لم يقتنع بوجهة نظري , وأصر على أنه لا يوجد خطابية رديئة وخطابية غير رديئة وأن الخطابية مذمومة في كافة صورها وأشكالها , لكن هل من العدل في شيء أن نستبعد أدبا رفيعا كأدب الشاعر معين بسيسو , مثلا والذي يعتمد جزء غير قليل منه على النزعة الخطابية يقول بسيسو :

  أخي لو شحذوا السيف على عنقي فلن أركع

ولو في فمي الدامي حبال سياطهم تنقع

فلن أرجع عن فجري ,لن أرجع ,لن أرجع

وقد أوشك أن يطلع ... قد أوشك أن يطلع

من الأرض التي ثديها بركاننا يرضع .

  هذه هي الخطابية التي عنيتها في معارضتي للدكتور الأشتر وهي خطابية محمودة _فيما أرى _ وأطالب بالمزيد منها , ولماذا نذهب بعيدا فإن قصيدة محمود درويش ذات الصبغة الخطابية , وذات القيمة الفنية المتواضعة( أنا عربي ) قد لاقت قبولا لدى جماهيرنا العربية أكثر من قصيدته ذات القيمة الفنية العالية ( الرمادي ) فظلت الجماهير ومازالت ترددها وستظل تتغنى بها ما دام وراء الحق مطالب يقول درويش :

 سجل

أنا عربي

سلبت كروم أجدادي

وأرضا كنت أفلحها

ولم تترك لنا ولكل أحفادي

سوى هذي الصخور

فهل ستأخذها حكومتكم كما قيلا !؟

إذن

سجل برأس الصفحة الأولى

أنا لا أكره الناس

ولا أسطو على أحد

ولكني .. إذا ما جعت

آكل لحم مغتصبي

حذار .. حذار ..من جوعي

ومن غضبي

   ولعل القارئ الكريم يلاحظ بأن هذه العاطفة الحماسية المجلجلة , أكثر فائدة , وأكثر قبولا لدى جماهيرنا من قصيدة محمود درويش ذات المواصفات الفنية الرفيعة والتي يقول فيها :

   الرمادي اعتراف , والسماء الآن ترتد عن الشاعر والبحر , ولا تدخل في شيء ولا تخرج من شيء ولا تعترفين .

  ساعتي تسقط في الماء الرمادي فلم اذهب إلى موعدك الساطع يأتي زمن آخر إذ تنتحرين واسمي حادثا في أيامنا . ... الخ .

   أنا لن أقول هذا هراء ولكنه كلام معدوم الفائدة النضالية صدر عن شاعر من المفروض أن يكون قائدا من قواد شعبه , ومنذ أصدر الشاعر ديوانه وحتى الساعة وأنا أسأل كل من رأيته , وعلمت أن له أدنى علاقة بالشعر , أو بالنثر , لم أترك باحثا أو ناقدا أعرفه إلا وسألته : إكراما لله قل لي ما الدلالة التي تكمن وراء الرمادي لكنني لم الق من أحد جوابا والسؤال ما زال قائما , فليجب عليه كل من يستطيع إلى ذلك سبيلا . 

ولو سألت الشاعر نفسه لزاد لك الأمر غموضا وتعقيدا ولأجابك بمقطع من القصيدة نفسها قائلا :

والرمادي , اعتراف وشبابيك ..نساء وصعاليك

الرمادي هو البحر الذي دخن حلمي زبدا

والرمادي هو الشعر الذي اجر جرحي بلدا

الرمادي هو البحر

هو الشعر

هو الطير

هو الليل

هو الفجر

الرمادي هو السائر والقادم

والحلم الذي قرره الشاعر والحاكم منذ اتحدا .

  فهل هذا ما ننتظره من شاعر نهرع خلفه ليقودنا فكريا في معركة التحرر الوطني !؟

 إذن فيا أيتها الجماهير التي تذبح ويا حملة الحجارة والبنادق والسكاكين , ويا من ما زال في أنفسكم شيء من النخوة وفي عروقكم شيء من الدماء الحارة تخلوا الآن عن كل شيء وتعالوا لنحاول معا أن نفهم الأدب الرفيع ؛ فإنه الأداة التي تختصر الطرق غلى فلسطين .

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz