مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

مخازي التربية العربية

 

محمود طافش الشقيرات

مقدمة :

    عندما لاحظ أحد الخبراء التربويين  الأمريكيين مدى تدني مخرجات التربية في وطنه نشر مقالاً تحت عنوان " مخازي التربية الأمريكية "، فأحدث ذلك المقال صدىً واسعاً في الأوساط التربوية الأمريكية ، وتحرك الباحثون التربويون ، ونشطت الجمعيات العلمية لتدارس المثالب التي أشار إليها ذلك الكاتب في مقاله، وكُتبت تقارير على درجة عالية من الأهمية كان أبرزها ذلك التقرير الذي عنوانه: " أمة في خطر "، ونشطت منظمات عديدة مثل: " اللجنة التربوية للولايات " تدعو إلى توظيف أساليب تعليم التفكير في المدرسة الأمريكية. وأكثرت المجلات التربوية الأمريكية من نشر المقالات والدراسات المتعلقة بتعليم التفكير. وتجاوب المسؤولون مع دعوات المفكرين التربويين ، وكانت ثمرة ذلك التعاون هي هذه النهضة الأمريكية في مجالات الصناعة والزراعة والفضاء وغيرها

  ونظرا لأهمية التربية في تحقيق أهداف الأمة فقد قال أحد القادة العسكريين الغربيين :" لو حاول أحدهم تخريب التربية في بلدي لشننت عليه الحرب " وها نحن - العرب - تجري محاولات عديدة  لتخريب التربية في بلادنا دون أن نشعر ، ورغم النداءات المخلصة التي تنطلق من هنا وهناك لإصلاح مناهج التربية والتعليم ، ورغم الدعوات الخيّرة والمخلصة التي أطلقها المسؤولون السياسيون والتربيون في هذا البلد ، ،  ورغم أن المخرجات التربوية في الأردن هي الأفضل على مستوى العالم العربي ، حيث ينتشر خبراؤنا ومشرفونا التربويون  ومعلمونا في معظم أرجاء هذا الوطن العربي الكبير ، ليعلموا ويدربوا أبناء جلدتهم ،  إلا أنها ما زالت دون الأمل المرجو منها .

  والحقيقة التي لا مراء فيها هي  أن التربية  تعتبر من أبرز عوامل تحقيق التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية ، وذلك من خلال تطوير المعرفة وأساليب العمل وتحليل النظم واتخاذ القرارات . وهي عامل مهم في تحقيق النهضة المجتمعية وتوحيد الأطر الفكرية والثقافية العربية بأساليب علمية، ونبذ الخرافات والمعتقدات البالية والأساطير الموروثة عن عصور الجهل والتخلف. ولعل في هذا ما يفسر التخلف العربي في معظم ميادين الحياة. فما هي أبرز نقائص التربية العربية التي تحول دون لحاق الأمة العربية بركب الأمم المتقدمة ؟

   منذ عدة عقود والباحثون التربويون العرب الملتزمون يرفعون أصواتهم منادين بضرورة تخطي الأساليب التقليدية البالية ، وإصلاح التربية العربية باعتماد الأساليب العلمية ، وتوظيف التقنيات الحديثة وإستراتيجيات التدريس والتقويم الفاعلة والدقيقة، لكن صدى دعواتهم ظل يتردد بين جدران قاعات الاجتماعات دون أن يتخطاها إلى أسماع المسئولين وأصحاب القرار . وكاتب هذه السطور نشر العشرات من الدعوات عبر هذه الصحيفة وغيرها من الصحف الخليجية حيث كان يعمل ، وأشار فيها إلى نقائص التربية العربية لكن دعواته لم تحدث الأثر الإيجابي الذي ينشده ، وربما أحدثت أثراً سلبياً حيث أُحيل على التقاعد ، في ذلك البلد الذي كان يعمل به ، قبل بلوغه الستين بسنة كاملة.

   ومهما يكن من أمر ، فقد ظل هذا الهم يثقل كواهل المخلصين من أبناء هذه الأمة وما زالت نداءاتهم تتوالى لعلها تجد من يسمعها أو يهتم بها .

    وفيما يلي عرض موجز لأهم مخازي أو نقائص التربية العربية لعل نشرها يلقى آذاناً صاغية خصوصاً في ظل تكاثر الدعوات إلى التطوير التربوي.

نفاق المناهج :

الأصل في المنهج الدراسي أن يبنى على أسس اجتماعية وسيكولوجية تساعد المعلمين على إحداث تغيّرات إيجابية مرغوبة في سلوك المتعلمين وفي طرائق تفكيرهم، وأن يشمل جميع أنواع الأنشطة المفيدة التي يقوم بها التلميذ داخل أبنية المدرسة أو خارجها ، فتُبنى شخصيته ، ويكتسب خبرات تمكنه من التعامل مع قضايا الحياة والتكيف معها، ومن اتخاذ مواقف حازمة وصنع قرارات رشيدة . غير أن منهج المواد الدراسية المعتمد في معظم أنحاء العالم العربي يهمل رغبات التلاميذ وحاجاتهم ويفرض عليهم موضوع المادة الدراسية فرضاً سواءً ألقي ذلك الموضوع عندهم قبولاً أم لم يلاق، ومن يقبل الفرض ويفلح في حفظ المادة الدراسية فهو النجيب المجلّي، وأما من يعجز عن ذلك فسيجبر عليها إجباراً بممارسة مختلف أنواع العقاب ، وقد يرسب في صفه.

    ومن ناحية أخرى، فإن عدم التنسيق بين واضعي المواد المختلفة، واهتمام كل فريق بمادته دون الالتفات إلى المواد الأخرى أدى إلى انقطاع الصلة بين هذه المواد، الأمر الذي أدّى إلى تجزئة خبرات المتعلمين ، وبالتالي إلى عدم استفادتهم من هذه الخبرات في المواقف الحياتية التي سيمرون بها. وحيث إن اتقان التلميذ للمادة الدراسية، لا يكون – في معظم الأحيان – من أجل الاستفادة منها في حياته العملية، وإنما من أجل النجاح في الامتحان الذي سيُمتحن به مسببا محناً لأسرته  ، والحصول على شهادة، بكافة الوسائل المشروعة – كالحفظ دون فهم – وغير مشروعة – كالغش وتسريب الأسئلة – فقد أصبح اهتمام المعلم منصباً على ضرورة اتقان التلاميذ لهذه المادة الدراسية، دون اهتمام يذكر بالقيمة العملية للمعلومات التي تضمنتها.لذلك فقد أصبح القائمون على مثل هذه العملية التعليمية العقيمة، مقتنعين بأن المعلم الناجح هو الذي يقتصر في عمله على تلقين التلاميذ معلومات معينة، من أجل الحصول على نسبة نجاح عالية، وعليه إن أراد السلامة لنفسه ، والمحافظة على مورد رزقه، أن لا يتخطى هذه الحدود، وأن لا يقترب من وجدان الطالب وفكره بأي حال من الأحوال، وأسباب المنع كثيرة، منها أن الطالب سيمتحن بالمعلومات المجردة بأسئلة تقيس مدى حفظه للمسائل وللمعلومات والقضايا المقررة عليه ، ولن يسأله أحد تفسيراً للظواهر والأحداث المؤلمة التي تمر بها أمته ..       

    يضاف إلى ذلك النفاق السياسي المتفشي في كثير من أرجاء العالم العربي ؛ فإن جانباً مهماً من المناهج العربية المعمول بها في معظم الأقطار العربية يتحدث عن القيادات الرشيدة والمكاسب المزعومة التي حققتها والانتصارات الوهمية التي أحرزتها، ولهذا قد يتربى المتعلم على الكذب والنفاق والتزلف للمسؤولين، وهذه من أكبر الآفات التي تحرص التربية البناءة على تحرير عقول المتعلمين منها.

 توطين الهيئات التدريسية  .وهو هدف آخر يسعى القائمون على التربية العربية لتحقيقه ليزعموا بأنهم قد قاموا بما لم يقم به غيرهم، وهذا المعلم المواطن- والذي في كثير من الأحيان لا يكون عربياً، وإنما موطناً بالتجنيس – يتسم بضآلة التحصيل العلمي، ومجرد من الخبرات النافعة، وهو مدلل يتقاضى راتباً يفوق راتب شقيقه المؤهل والوافد من قطر آخر بمرات عديدة رغم أنه في كثير من الأحيان قد تتلمذ عليه ، هذه الزيادة قد تصل في كثير من الأحيان إلى خمسة أضعاف ، وهو يريد أن يتميز عن غيره من المعلمين العرب المتعاونين فيختار من البرامج الدراسية أسهلها، ويأتي إلى المدرسة في الوقت الذي يريد ويخرج منها متى يريد، وهو لا يقوى على ممارسة مهنة التعليم الشاقة ، ولا يقبل عليها إلا كخطوة في الطريق إلى الإدارة المدرسية أو الإشراف التربوي ، فإذا لم يتيسر له ذلك بأسرع وقت فإنه غالبا يتسرب من مهنة التعليم ويبحث له عن مهنة غيرها أكثر سهولة .

 توطين الإدارة المدرسية .تلعب الإدارة المدرسية دوراً مميزاً في نجاح العملية التربوية، وهي تهدف إلى تحقيق مجموعة متكاملة من الأهداف التي من شأنها إذا تحققت أن تنهض بالمجتمع وأبرز هذه الأهداف:

1- تهيئة الظروف الملائمة التي من شأنها أن تساعد المعلم على القيام بدوره الريادي المتمثل في إحداث تغيير مرغوب في سلوك التلاميذ وفي طرائق تفكيرهم.

2- توفير الإمكانات والتقنيات التربوية وسائر الوسائل المعينة التي تمكن المدرسة من تأدية رسالتها ،وتساعد على نمو شخصية التلميذ من جميع نواحيها ،الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية.

3- توجيه المتعلم إلى السير في الطريق الذي يحقق فيه أهدافه ويجد عبره ذاته .

4- توفير الكوادر المتخصصة والأيدي الماهرة التي تعمل على إشباع حاجات المجتمع وتحقيق أهدافه .

5- توجيه المعلمين وإعدادهم ليكونوا قدرة صالحة لتلاميذهم.

6- التفاعل مع البيئية المحيطة بالمدرسة ،والمساهمة في تشخيص مشاكلها وإيجاد الحلول المناسبة لها .

غير أن الحال في العالم العربي يختلف فإن الشرط الأول الذي يجب أن يتوفر في المديرالعربي هو أن يكون مواطناً بغض النظر عن علمه أو ثقافته. لذلك فإنك قد تجد مديراً مدرسياً لا يتعدى تحصيله العلمي المرحلة الابتدائية يقود فريقاً من المعلمين الجامعيين غير المواطنين بحجة توطين التعليم ، وفي نفس الوقت يرفع القائمون على هذه التربية لواء التطوير متعامين عن النهج الذي تسير عليه البلدان المتقدمة والقاضي بالاستفادة من خبرات المدير المؤهل بغض النظر عن جنسيته أو جنسه أو لونه أو دينه.

إن المدير المدرسي العاجز المشار إليه آنفاً مزاجي النزعة ، ينقاد للمنتفعين ، ويعرقل أعمال المشرفين التربويين ، وغالباً لا يتمخض عن إدارته إلا الفوضى وعدم المبالاة ..

وقد عمل كاتب هذه السطور أكثر من مرة ، خلف قيادة مدير مدرسي مؤهل بشهادة الدراسة الابتدائية ، وعمره لا يزيد على الثمانية عشر عاما ، فكان المسكين يتخبط في قراراته وممارساته دون تبصر ، وتنازعه التيارات والأهواء من كل مكان ، فاختلط الحابل من معلميه بالنابل ، فلم تفلح جهودهم في إزالة أمّية طلابهم الأبجدية ناهيك عن أميتهم الحضارية ، وقُلبت الموازين ، واضطربت الأمور . وبعد انتهاء الدوام كان السيد المدير يستر عورته بقطعة قماش ، ويكشف رأسه المحلوق بالموس ، ويقود جمله حافيا يبحث عن مصدر آخر للرزق .

وفي معظم الأحيان يتوارى خلف هذا التوطين أعداء الوطن والأمة ، وغرضه سياسيّ وليس تربويا ، ولهذا قال أحد القادة الغربيين المستنيرين: " لو حاول أحدهم تخريب التربية في بلدي لأعلنت عليه الحرب ."

ولعل من نافلة القول التأكيد على أن الإدارة المدرسية ممارسة جماعية تستند على علم غزير ، وفن دقيق وخبرات عملية مكتسبة، وبقدر ما يكون المدير مؤهلاً وخبيراً تكون النتائج المترتبة على قيادته أكثر خصباً وعطاءً.

معيار القبول في المدرسة

تقضي أنظمة وتعليمات القيد والقبول في معظم أنحاء العالم العربي بتحديد سن السادسة لقبول الأطفال في المدارس ، وبعض الأقطار العربية تمنح مواطنيها ميزة خاصة بقبول أطفالهم قبل بلوغهم السادسة بأربعة أشهر، أما أبناء العرب الوافدين فلن يقبلوا حتى ولو قلّت أعمارهم عن السادسة بيوم واحد ، وحتى ولو كان آباؤهم من كبار المسؤولين في وزارة التربية والتعليم .

وهذه الأنظمة والتعليمات غير المدروسة تعني بأن كل أطفال العرب يكونون على مستوى واحد من الذكاء في سن القبول الزمني المحدد ، غير أن هذا المنطق خطأ ولا أساس له من الصحة في المقاييس التربوية ؛ إذ أن 50% من الأطفال متوسطون و 25% قدرتهم التعليمية ممتازة في حين أن 25 % قدرتهم التعليمية ضعيفة ، وهذه الحقيقة يمكن توضيحها حسب مقياس ( وكسلر ) بالنسبة الآتية 1 : 2 : 1 بمعنى أننا لو أخذنا مائة طفل من المرشحين للقبول في الصف الأول الابتدائي فإننا سنجد أن  25 طفلاً دون المستوى العادي و25 آخرين فوق المستوى العادي، وهذا يعني أن نصف الأطفال فقط عمرهم العقلي يساوي عمرهم الزمني ، بتعبير أوضح هناك أطفال عمرهم الزمني ست سنوات بينما عمرهم العقلي خمس سنوات أو دون ذلك. وهناك أطفال عمرهم الزمني خمس سنوات بينما عمرهم العقلي ست سنوات أو أعلى من ذلك. والأطفال الذين يقل عمرهم العقلي عن عمرهم الزمني لا يكونون مؤهلين أو قادرين على متابعة البرامج التعلميمية المعدة للمبتدئين.

وقياساً على اختبار (وكسلر) فإن 25% من أطفالنا الذين يقبلون في مدارسنا العامة غير قابلين للتعلم، أو أن قابليتهم دون الحد المطلوب،وإذاكانوا من أولئك المدللين الذين سمحت لهم العنجهية أو العنصرية بقبولهم بسن دون ذلك فإن طامتهم ستكون أكبر . كذلك فإن 25% من أطفالنا المتميزين غير مسموح لهم بالاستفادة المبكرة من الخدمات التعليمية المجانية.

إن الأطفال لا ينضجون عقلياً بوقت واحد، والأطفال الذين أجاز لهم عمرهم الزمني دخول المدرسة لا بد أن يفشلوا إذا كان عمرهم العقلي دون عمرهم الزمني، وإذا ما نقلوا إلى السنة الثانية فإنهم سيزدادون فشلاً، لأن العلم الذي يُدرس لاحقاً يُبنى على العلم الذي أخذ سابقاً، وبالتالي سينصرفون عن متابعة معلميهم إلى العبث والشغب، فإن تكررالفشل فقد مني الطفل بالإحباط ، وقد يؤدي به ذلك إلى الانحراف في السلوك ؛ وذلك لكي يلفت إليه أنظار أولئك الذين عجز عن لفت أنظارهم إليه باجتهاده وتحصيله.

والحل الذي يفرض نفسه لهذه المشكلة هو اعتماد العمر العقلي بدلا من العمر الزمني معياراً للقبول في المدارس، والعمر العقلي يمكن تحديده بواسطة تقييم الاستعداد واختبارات الذكاء، وهذه تقوم على المهارات التي لها صلة وطيدة بالعملية التربوية ، فالطفل لكي يتعلم يجب أن يكون قادراً على التمييز بين الأشكال والأصوات المختلفة.

إن التربية لا تقيس ذكاء الأطفال من أجل الأغراض العلمية فقط ، وإنما أيضاً من أجل أغراض عملية تطبيقية، فالمعلم لا يستطيع أن يتعامل مع ثلاثة مستويات مختلفة من الأطفال في آن واحد. والمنهاج يوضع ليناسب غالبية التلاميذ، غير أن الطفل الضعيف غير قابل للتعلم بالطريقة الاعتيادية، ومن ثم سيصبح هدفاً سهلاً للسخرية من قبل زملائه، وكذلك فإن الطفل المتفوق سيتغير وضعه إذا لاحظ أن المعلم يهتم بالطالب الضعيف دونه، ومن هذا المنطلق فإنه لا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نضع الطفل المتفوق جنباً إلى جنب مع الطفل الضعيف.

والسؤال الآن لماذا نتحدث عن الفروق الفردية ولا نراعيها؟ إن تشعيب الأطفال حسب أعمارهم العقلية قد أدى في الدول المتقدمة إلى أفضل النتائج ؛ لأنه مكن المربين من تقديم الغذاء التعليمي المناسب للأطفال حسب استعداداتهم العقلية. والقائمون على التربية والتعليم في عالمنا العربي يحاربون مبدأ التصنيف، وهم في نفس الوقت يصنفون، لكنهم يصنفون على أساس غير سليم، على أساس من العمر الزمني، على أساس ليس له كبير علاقة بالتعليم، فالأطفال يتعلمون بعقولهم لا بأعمارهم.

إن اختبارات الاستعداد معروفة في حقول التربية والتعليم منذ أزمان، غير أنه لا وجود لها على نطاق واسع في مجتمعنا العربي. إن بوسع جامعاتنا – وهي كثيرة بحمد الله – أن تبني لنا مقاييس استعداد لتحديد العمر العقلي للأطفال، لكن القائمين على العملية التربوية العربية غير جاديين في تحديث الوسائل التعليمية، إنهم يريدون من أساتذة القياس في الجامعات أن يبنوا لهم مقاييس استعداداً بالسخرة، إنهم ينفقون أموالاً طائلة على الشؤون التعليمية المظهرية ، ويبخلون على العلماء بما يحفزهم على العمل لبناء اختبارات ذكاء لقياس درجة الاستعداد عند الأطفال.

إن اعتماد العمر الزمني للأطفال مقياساً للقبول في المدارس أسلوب غير تربوي ، والمعيار الصحيح للقبول هو العمر العقلي الذي يمكن تحديده بواسطة اختبارات قياس الاستعداد، وهذه يمكن بناؤها من قبل علمائنا في جامعاتنا، ولا شك بأنهم يرحبون بأي اقتراح يهدف إلى تحسين مستوى التعليم في بلادهم.

نظام الإختبارات

ما زالت الاختبارات في كثير من أنحاء الوطن العربي تستند على أسئلة مقالية تقيس الحفظ مثل : أكمل ، عدد ، اذكر . وهم يسمونها امتحانات دون أن يفطنوا إلى أن الاشتقاق اللغوي للكلمة يوحي بالمحنة التي يسببونها للمتعلمين ولأولياء أمورهم . وإذا ما اعتمدت جهة ما نمطا من الأسئلة الموضوعية لاختباراتها فإن هذه الأسئلة تكون في كثير من الأحيان غير دقيقة ، لذلك فإن نتائجها في كثير من الأحيان  تكون فاسدة ومضللة ، ونادرا ما تجد سؤالا واحدا يقيس التغير الحاصل في السلوك أو في طرائق التفكير ، وقد لا تجد سؤالا واحدا يقيس المستويات العليا من الأهداف المعرفية كالتحليل والتركيب والتقويم من أجل إصدار الأحكام الدقيقة واتخاذ القرارات الصائبة ، فليس للمتعلم العربي شأن بما يجري حوله من هموم ومشكلات ، وهو معني فقط بالتخرج والحصول على قطعة من الورق المقوى يسمونها شهادة قد تمكنه من الحصول على فرصة عمل .

نظام القبول للدارسات العليا .

تقضي تعليمات القبول للحصول على درجة الماجستير في معظم الجامعات العربية أن يكون تقدير الطالب في درجة البكالوريوس "جيد" ولا مجال لقبول من كان تقديره "مقبول" حتى لو أصبح بعد حصوله على درجة البكالوريوس  بجده واجتهاده عالم عصره ووحيد دهره ، في حين أن الخبرات العملية والمؤلفات والدراسات الميدانية تقدّر في كثير من البلدان المتقدمة بدرجة علمية . واختبارات الاستعداد كفيلة بأن تبرز هذه الحقيقة بصورة ناصعة ، وأن تحد جميع الترهات والتعليمات التي تنم عن جمود عقول أصحابها أو سوء نياتهم. لكن ماذا نقول لأولئك الذين يصرون على التخلف ولسان حالهم يقول " عنزة ولو طارت ".

سن التقاعد

في البلدان المتقدمة يستمر الخبير التربوي في خدمة بلده ما دام قادراً على العطاء وحتى يواري الثرى، وإذا رغب في ترك منصبه والاستفادة من حقه في التقاعد فإن المؤسسات التربوية الناهضة تتسابق للاستفادة من علمه وخبراته، وقد التقيت في إحدى الجامعات الباكستانية رجلاً ينوف عمره عن الثمانين عاماً ، وكان يجلس في مكتبه المتواضع يقرأ كتاباً فسألته: ماذا تعمل هنا وقد بلغت من الكبر عتياً؟ فأجاب: أنا موظف هنا فقط لتقديم المشورة لمن يطلبها . وكاتب هذه المقالة أُحيل إلى التقاعد في القطر العربي الذي كان يعمل به قبل بلوغه الستين ببضعة أشهر رغم أنه كان مميز العطاء وافر الصحة ، ورغم أنه نشر في بلده ذاك سبعة مؤلفات تربوية والعشرات من المقالات والدراسات ، وحصل على العشرات من شهادات التقدير وجوائز التميز، وكانت تقارير أداءه " ممتاز " طيلة مدة عمله التي تقترب من عشرين عاماً. ورغم أن رئيسه في العمل قد ناشد أولي الأمر بعبارات مؤثرة لتجديد عقده والاستفادة من خبراته ولو لسنة واحدة ، لكن دون جدوى رغم أن خدمات التربويين الهادئين و المشهود لهم بالصمت جُددت بعد سن التقاعد بضع سنوات إضافية .

ضعف البحث التربوي :

  في العالم العربي الآلاف ممن يسمون خبراء  ، ويحملون أعلى الدرجات العلمية ، وقد قرأت على باب مكتب أحدهم  عبارة " خبير البحوث " رغم أنه لم يكتب طيلة مدة عمله مع تلك الوزارة بحثا تربويا واحدا ، وكان يتنقل بين المراكز الرفيعة في تلك الوزارة ؛ فهو أحيانا مدير لمكتب الوزير وأحيانا أخرى مدير لمكتب الوكيل . وقد سألت احد كبار المسئولين في تلك الوزارة عن السر الكامن وراء تنقل صاحبنا من مكان حساس إلى آخر أكثر حساسية رغم أن إمكاناته مجهولة ! فابتسم الرجل ولم يجب .

ومن أبرز مظاهر انحطاط البحث التربوي العربي السرقات ، وهل يعقل أن يتصور أحد أن مؤلفاً تربويا ينقل عن غيره نقلا حرفيا بالفواصل والنقط ، ليس فقط فقرات أو صفحات وإنما فصولا كاملة دون أن يشير إلى مجرد ذكر اسم المرجع الذي سرق منه في قائمة مراجعه المختارة . قلت لصاحب دار نشر:  إن أصحاب الكتاب الفلاني قد نقلوا أجزاء منه من كاتب آخر . فلم يزد الرجل على ان قال : وماذا يمكن أن أفعل إذا كانت أخلاقهم تسمح لهم بذلك ؟ وقلت لصاحب دار نشر أخرى أصدر كتابين لمؤلفين : إن المؤلف فلان نقل عن المؤلف علان صفحات كاملة دون الإشارة إلى المرجع . فقال الرجل : عجيب مع أنه صديقه دائما يمشي معه .  ومن المؤلفين الذين حصلوا على درجاتهم العلمية من الخارج من يترجم عن مؤلفات أجنبية بلغة عربية ركيكة ، ثم ينسب فضل التأليف لنفسه .

هذه المخازي والنقائص في التربية العربية يجب أن تتوقف إذا كنا نريد لبلادنا أن تنهض من سقوطها ، وأن تنفض عن نفسها غبار تخلفها ،لأن التربية هي عنوان التقدم أو التخلف ،  وأول الخطوات على هذا الطريق هو إنشاء جمعيات علمية جادة ، يكون أعضاؤها من علمائنا الملتزمين الجادين ، ويكون برنامج عملها هو دراسة هذه النقائص ، ووضح الحلول الملائمة للتخلص منها . فهل نفعل ؟

  وأخيرا فإنه مطلوب ممن يقرأ هذا الكتاب أن يكتب تعليقا عليه ؛ فلعلنا نثري الحوار الهادف الذي من شأنه أن يحدث عصفا ذهنيا ، فتتلاقح العقول وتنتج توجها سليما ينعكس بالإيجاب على مستقبل أبنائنا ...

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz