مرحبا بكم في موقع المشرف التربوي محمود طافش الشقيرات .
 
New Page 3
 Free counters!
 
ما رأيك بالمظهر الجديد للموقع ؟
1. ممتاز
2. مقبول
3. جيد
4. جيد جدا
مجموع الردود: 22
    

حوار مع :

الشاعر عبد الرحيم عمر

أجرى الحوار : محمود طافش الشقيرات

نشر بجريدة البيان بدبي يوم : 25تشرين ثاني 1987م

 

      انطلقت في الموعد المحدد لمقابلة عبد الرحيم عمر وفي جعبتي فيض من الأسئلة المتنوعة التي أعددتها في محاولة لإلقاء الأضواء على السمات الأساسية التي امتاز بها شعر هذا الرجل الذي انتصب في طليعة المنادين لرفع لواء التجديد الشعري في ربوع الضفتين .

  تلقاني الرجل بابتسامته المعهودة التي لا تكاد تفارق شفتيه ، ودعاني للجلوس على أحد المقاعد التي صفت بعناية حول طاولة مستديرة في باحة حديقة بيته الأنيق المقام على ربوة مطلة على مباني الجامعة الأردنية .

  وحيث أني أعلم بأن المقابلة ستطول فلم أشأ أن أضيع وقتا فبادرته بالسؤال قائلا :

-       هل لك أن تطلع قراء جريدة " البيان " على بطاقتك الشخصية ؟

    أطرق الرجل يفكر مليا قبل أن يحرك شفتيه ليقول بهدوء أصيل : أنا عبد الرحيم عمر .. عربي فلسطيني , من قرية , جيوس أنتمي إليها مكانا ، وتحتل تفكيري وإنتاجي الفكري بصورة دائمة .. من الجيل الذي واجه النكبة مع خطواتها الأولى , ومن مواليد سنة 1929م .. أتممت دراستي الثانوية بفلسطين , وحزت شهادة الاجتياز إلى التعليم العالي , ثم انتسبت إلى جامعة لندن وحزت على شهادتها المتوسطة , غير أن ظروفا سياسية حالت دون أن أتم دراستي الجامعية !

-       وماذا عن مؤلفاتك المطبوعة والمخطوطة ؟

  لي أربعة دواوين شعرية مطبوعة هي أغنيات للصمت من قبل ومن بعد , قصائد مؤرقة ,. أغاني الرحيل السابع , ولي كذلك مسرحية مطبوعة هي : " وجه بملايين العيون " وأخرى تحت الطباعة اسمها " حريق الآلام " .. ولي أيضا خمس مسرحيات شعرية قدمت على المسرح لكنها لم تطبع .. ومسرحية سادسة  منعت من العرض.

  وأضاف يقول : وأنا كاتب سياسي .. إلى جانب هذا كنت أكتب زاوية سياسية يومية طوال العشرين سنة الماضية ..!؟

-       كيف كانت تجربتك الشعرية ؟

  الحقيقة حينما أتحدث عن تجربتي الشعرية أتحدث عن سيرة عمر بأكملها فقد تعلمت سنوات الدراسة الأولى في كتاب القرية وفي تلك الأيام كانت مناهج الدراسة في القرى تختلف عنها في المدن , ففي القرية كان الاهتمام الأساسي للمدرس الوحيد الذي كان يعلم الصفوف الأربعة في الغرفة الوحيدة التي هي المدرسة , كان اهتمامه أن يجعل طلابه قادرين على الكتابة السليمة , وعلى قراءة القرآن الكريم , ورواية الأحاديث النبوية الشريفة مع معرفة بتراثنا الأدبي , والتاريخي واللغوي .. لكن الجو العام في القرية كان جوا خصبا مشجعا على التوجه الشعري والأدبي بشكل عام . ففي ديوان أبي كنت كثيرا ما استمع إلى قراءة التغريبة وغيرها من الأعمال الشعرية الشعبية , وكثيرا ما كنت استمع إلى مساجلات الشعراء الشعبيين , وكان لتلك الأجواء أثرها في نفسي .. فحببتني بالشعر منذ طفولتي المبكرة , وفي مدرسة طول كرم الثانوية كنت احد الذين يعيشون في المنزل التابع للمدرسة حيث كتبت أولى قصائدي .. وتفتحت عيناي على أدب المجهر وعلى الكثير من تراثنا الذي شهدت الأربعينات نشاطا جيدا في إحيائه .. وفي تلك الفترة كنت أحفظ القرآن الكريم , والمعلقات , والروائع التي كان يصدرها تباعا " البستاني " .

  وكنت أواصل الاطلاع على الحركة الثقافية المعاصرة , ولأن مناهج الدراسة في عهد الانتداب كانت تُعني بتقديم كم من الثقافة الانجليزية للطلاب فقد أتيح لي أن اقرأ الكثير من روائع الشعر الانجليزي ومسرحيات شكسبير في تلك الفترة , وأحببت الرومانسيين الانجليز وشعراء الطبيعة وقد تمت صلتي بهؤلاء الشعراء فيما بعد , وكتبت عن عدد منهم _ وبالذات بايرون وشلي _ تمثيليات إذاعية أذاعتها الإذاعة البريطانية وعدد من الإذاعات العربية .

  واعتقد أن مجمل هذه الحصيلة الثقافية والشعرية بشكل خاص جعلني مهيئا لتقبل حركة التجديد في الأربعينيات  الأخيرة من هذا القرن . لقد بدأت بكتابة الشعر العمودي لكني سرعان ما أعجبت بحركة التجديد وعملت بتواضع داخل تلك الحركة .. ولا أكون مبالغا إذا قلت أني كنت الأكثر نشاطا في الأردن ضمن هذه الحركة والأكثر تأثيرا وذلك من خلال عملي كرئيس للقسم الثقافي في الإذاعة الأردنية , ومساهماتي  في المجلات التي كانت تصدر في الأردن خاصة الأفق الجديد ورسالة المعلم ومجلة الإعلام , كما عملت رئيسا لتحرير عدد من الصحف والمجلات مثل أفكار والسباب , والإذاعة , كما عملت مديرا عاما لدائرة الثقافة والفنون .

   وأضاف يقول : .. كانت الظروف في تلك الأيام صعبة ,  واذكر أني حن أصدرت العدد الأول من مجلة " أفكار " كانت جميع قصائدها حديثة و ومن ضمنها قصيدة لي , وكانت معنية بتعريف القارئ العربي بما يجري في بقية أرجاء العالم .. ومع ذلك فقد وردت احتجاجات كثيرة إلى وزير الإعلام والثقافة , تحمل علي , وتتهمني بتهم فكرية , وتصف التجديد بأنه نوع من التخريب . لكني مضيت في دربي لا اعبأ بهذه الصعاب , وكنت ألقي التأييد والدعم من الأدباء الشبان من أمثال : تيسير سبول , فايز الصياغ , جمال أبو حمدان , وفخري قعوار , وسليم دبابنه وغيرهم من أدباء الجيل الذي يلي جيلنا .

  كي تكتب قصائدك الآن ؟

   أعتقد أن لكل شاعر طريقته الخاصة في استقبال عالمه وكل ما يدور فيه ,و إننا نكتب لأننا نحس أننا لا بد أن نقول شيئا .. ولكي نكتب شعرا ينبغي أن نسمح للشعر بأن يسكننا دائما , أن نحقق تواؤما بين شرف الكلمة ونقاء الشعر , ولعل في هذا أزمة الشعر .

  إنني اكتب دون أن يكون في ذهني تصور واضح لمصير القصيدة هل سترى النور أم لا .. وهنا أريد أن أؤكد بأنني مؤمن بالتزام الشعر والشاعر , بل إنني شخصيا حريص على هذا الالتزام لكن حدة التناقض بين طبيعة الشعر كفن إبداعي يقوم على الرفض والتعامل مع الواقع من رؤية رافضة ومع ما ينبغي أن يكون عليه الواقع كنظرية رسالية . كل هذه الأمور تجعل من حدة التناقض بين الشاعر وواقعه وبين الرؤية وكأنها سواتر بين الشاعر وهؤلاء الذين يفترض أن يرسل إليهم شعرا أو يقرأه عليهم أو ينقله بشتى الوسائل .

-      هل تعتقد أن هناك سمات خاصة تتميز قصائدك ؟ وما هذه السمات ؟

   أعتقد أن هناك بالفعل سمات تميز قصائدي , فالسمة الأولى هي حصيلة هذا التنوع الثقافي الذي أشرت إليه , فلسبب أو لآخر يكثر الرمز في شعري لكن هذا الرمز يمتد على خارطة ثقافية واسعة من على " سفينة نوح " إحدى قصائدي في ديواني الأول أغنيات للصمت إلى " أفجاني " إحدى قصائد أغاني الرحيل السابع .. الأولى مأخوذة من القرآن الكريم ومثلها " لن أهز الشجرة " بالإشارة إلى الآية الكريمة وهزي إليك بجذع النخلة ومثلها قصيدة " رؤيا " إشارة إلى قوله تعالى " يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك " صدق الله العظيم . بينما " افجانيا مأخوذة من المثلوجيا الإغريقية وهي تروي قصة قائد الحملة الإغريقية على قرطاجة حين اصر على أن يلقي بابنته على البحر في محاولة لاسترضاء غله البحر الذي أصر على الزواج بها وإلا اغرق الحملة كلها , ومثلها " من ليالي بيلولوبي "   و " وسارق الضوء " وغيرها كثيرات .

  أما السمة الثانية فهي محاولة المزج بين القديم الموروث أو ما يصلح منه والحديث الذي تريده في بناء القصيدة .. فأنا أعتقد أن حركتنا الشعرية الحديثة وأن جاءت في بواكيرها الأولى متأثرة بالآداب الغربية إلا أن بقاءها واستمرارها يفترض أن يكون تطويرا لقصيدتنا العربية الكلاسيكية , وأن القصيدة الحديثة ينبغي أن تعمل على تجديد مجد شعر العرب , ومن هنا فإن التزامي اللغوي والموسيقى في قصائد مثل " كولومبس " أو " المخاض " بل إن قصيدة مثل " الصلوات في ادم " أو " بين يدي المتنبي " تحمل في الحقيقة مزاوجة خفيفة بين القديم والحديث .

  أما السمة الثالثة فهي محاولة استنفار القديم الأصيل في روح المعاصرة الشعرية . ولكي أعطي مثلا أقول : أن صورة مثل " مستنبح التيه " فأنا أرى في مثل هذه الصورة صورة العربي المسافر في الصحراء والذي تبلغ الوحدة منه حد اللجوء إلى لغة الحيوان في محاولة للتخلص من وحدته هي صورة حقيقية تحمل شحنة تعبيرية يندر أن تجد مثيلا لها .. مثل هذه الصورة تكثر في شعري وقصيدة المطارد ليست بعيدة عن هذا الجو وتكرار صورة " المنبت " وهي المأخوذة عن الحديث النبوي هي أيضا  ضمن هذا السياق .

  السمة الرابعة ، هي أنني التزمت وحرصت على أن يكون التزامي سمحا من وجهة النظر الفنية بمعنى أني حرصت على ابقاء جسور بيني وبين القارئ على اختلاف طاقته الثقافية , فلم أغلب القضية على قضية المضمون ولم أغلب الحرص على المستوى الفني على حساب امكانيات التواصل مع الاخرين .

-      أيهما تفضل القصيدة الحديثة أم العمودية ؟ ولماذا ؟

   الحقيقة إن القصيدة الحديثة هي الأقرب لنفسي .. لكنني ما زلت اعتقد أن للقصيدة العمودية دورها وخاصة في الجماهير الواسعة , فأنا ما زلت أكتب  القصيدة العمودية في مناسبات كثيرة رغم أني كما قلت عملت الكثير من أجل حركة التجديد الشعري .

-      هل أنت راض عن  اهتمام الناس بالشعر الحديث ؟

  في الحقيقة أن قضية جماهيرية الشعر الحديث هي قضية ذات طابع " دايلكتيكي "  فالناس تقول ما تحب أن تسمع , وعمر حركتنا الشعرية الحديثة لا يزال بضعة عقود من السنين لا أكثر , بينما يضرب عمر القصيدة العمودية في أعماق الزمن العربي حتى لتخالهما توأمين . القصيدة العربية والزمن العربي .. ومن هنا فإن الذوق العام لا يزال ميالا جدا إلى القصيدة العمودية وفي رأيي أن بعض شعرائنا المحدثين يتحملون مسؤولية ازدياد غربة القصيدة الحديثة ؛ فقد هاجر الكثيرون منهم وابتعدوا بالتجديد الشعري لدرجة بات الشعر الحديث وكأنه نوع أدبي جديد وإلا هل من الممكن أن نبصر الصلة واضحة بين هذا الذي يسمونه الشعر المنثور أو القصيدة النثرية أو حتى الشعر المرسل وبين هذا الإيقاع العميق المجلجل في كثير من الأحيان لقصيدتنا العربية الموروثة . في رأيي أن العلاقة بين الكثير من الأنماط الحديثة وبين الشعر العربي كما لا يزال يرن في الاذن العربية عبر العصور تحتاج إلى المزيد من الفسحة الزمنية لتنضج وتحتاج إلى المزيد من الثقافة الشعرية الجماهيرية لتكون مفهومة ..فالاتي هو الذي يحمل الإشارة .

-      أنت الآن تتحدث إلى قراء مؤسسة واسعة الانتشار في الخليج ولها قراؤها في العالم العربي فهل تعتقد أن للثقافة دورا في توطيد الصلات بين أبناء الأمة العربية الواحدة ؟.

     إذا آمنا أن عقل البشر هو الذي يصنع إرادتهم وإن ثقافة الناس هي التي تصنع عقولهم تبين لنا ببساطة مدى ما يمكن أن يكون للتواصل الثقافي العربي من اثر على وحدة هذه الأمة .

  ألا تلاحظ أن شاعرا مثل المتنبي يوحد بين عقول هذه الأمة ما تعجز كل أجهزة الإعلام العربية المعاصرة بما فيها من طاقات وخبرات وتكنولوجيا عصرية أن تفعله .. لكن .. لا بد وأن تلاحظ أيضا أن شاعرا مثل المتنبي , وفي أكثر عصور تاريخ أمتنا تمزقا كان يملك فينتقل من حلب إلى بيروت إلى طبرية إلى القاهرة إلى بغداد دون أن يحتاج إلى سمة دخول أو جواز سفر ودون أن يجد من يمنعه من دخول هذا البلد أو ذاك .

  وتلاحظ كلك أن شاعرا مثل الحسن بن زريق كان إذا ضاقت به سبل العيش في بغداد حمل عصا الترحال فسار في الدويلات الممزقة يخترق حدودها ويحل ضيفا على أدبائها وشعرائها في كل مكان حتى يصل الأندلس بينما الشاعر المعاصر يمنع من الكتابة في بلده , وربما يجوع من الميزة القومية الأولى ..

  إن الشاعر أو الكاتب العربي يكتب بلغة يقرؤها مائة وخمسون مليونا من البشر على الأقل ، لكنه يحجز في الإطار القطري وكأنه لا ينتمي لأحد , وما من شك في أن اللقاءات الأدبية والثقافية العامة وضمنها مهرجانات الشعر التي تقام هنا وهناك على فترات متباعدة في هذا القطر العربي ...لكنه التعريف المرهون بالمناسبة والأصل غير ذلك . 

Untitled 4

دخول المدراء تم إنشاء التصميم في نظام uCoz